ايمن الشبول
ابتعاد المغترب عن وطنه وأهله وأقاربه ، يسبب له موجات من الشوق والشجون واللوعة … ؛ فالنفس البشرية تتشبث بأرض الآباء والأجداد ، وتتعلق بالناس الذين ألفتهم وعايشتهم واعتادت عليهم منذ الولادة …
ولكن ورغم الألم الشديد الناجم عن غربة البعد عن الأهل والخلان والأوطان … فهناك غربة هي أشد ايلاما من غربة البعد عن الأهل والخلان والأوطان … ألا وهي : غربة الفكر والثقافة والمعتقدات والتوجهات والأهداف والهموم …
فاذا اجتمعت الغربة عن الأهل والخلان زالأوطان مع غربة الفكر والثقافة والمعتقدات والتوجهات والأهداف والهموم … ؛ فعندها سيعيش المغترب حقبة قاسية من حياته وسيعاني كل أنواع الألم والسقم والمرارة …
والغربة الأليمة موجودة في حياتنا … والامثلة عليها كثيرة ؛ فكل إنسان جاع ومرض وتشرد وهو لا زال بين أهله وفي وطنه ؛ ولم يجد من يطعمه ويعينه ويسعفه ؛ تجرع المرارة العظيمة للغربة الأليمة …
وكل إنسان اشتكى واستغاث وصرخ ونادي مرارا وتكرارا … ؛ وملايين من العرب يستمعون لصراخه ، ومليار من المسلمين يرقبون نداءآته ؛ ولم يبادر أي منهم لمد يد العون له ، ولنجدته ونصرته ؛ تجرع مرارة وأوجاع الغربة الأليمة …
ومن الأمثلة على الغربة الأليمة : غربة أصحاب الرسالات السماوية في مجتمعات الباطل والظلالة والظلمة … ؛ وغربة العلماء والمفكرين في مجتمعات الخرافة والظلمة والجهالة ؛ وغربة القلوب البيضاء والنقية في المجتمعات الآسنة والملوثة … ؛ وغربة الكريم السخي بين عباد الدرهم والدينار … ؛ وغربة المقدام الأبي بين من استمرأوا الخنوع والجبن والذلة …
الف سنة من الغربة الأليمة عاشها نوح عليه السلام مع قومه وزوجه وولده …ولا ننسى الغربة الأليمة القاسية والتي عاشها محمد عليه الصلاة والسلام مع جاهلية وانحرافات قومه …. ؛ وغربة ابراهيم الخليل مع أوثان أبيه وأصنام قومه ؛ وغربة لوط عليه السلام مع كفر زوجته وشذوذ وانحرافات قومه ؛ وغربة موسى عليه السلام مع طغيان فرعون ، ومع سفاهة وجهالة قومه …
كل الرسل والانبياء والدعاة المخلصين ؛ تجرعوا مرارة الغربة الأليمة في كل يوم من حياتهم ، وكانوا في صدام دائم مع عباد الهوى وأولياء الشيطان …
والمسلم المخلص لدينه والصادق مع ربه في هذا الزمان ، سيعاني كل أوجاع ومرارة الغربة …
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ؛ فطوبى للغرباء .