د.محمد المومني
الأردن ومصر وسورية ولبنان تشاركت في تفاهم تاريخي يوصل الغاز المصري، عبر الأردن وسورية من خلال خط الغاز العربي، إلى لبنان الاتفاق قد يؤسس الى حالة من الاعتماد الاقتصادي المتبادل أساسه الطاقة، يجعل هذه الدول كافة تتشارك، وتعتمد على بعضها بعضا في تصدير، وعبور، واستهلاك الطاقة هذه تشاركية أقتصادية نوعية سيكون لها أثر مباشر على التقارب السياسي بين هذه الدول، والأهم أن ذلك سيرسخ معادلة الاستقرار والأمن، لأن الدول الأربع ستكون معنية باستقرار وأزدهار بعضها بعضا، فهي مستفيد من ذلك بسبب أتفاق تصدير وعبور الغاز، وسيغدو هجوما إرهابيا في سيناء وتفجير خطوط الغاز هناك، وكأنه هجوم على لبنان لأن لبنان يحصل على الغاز من سيناء مصر، وسيكون أستقرار سورية مهما للدول كافة لأنه طريق للغاز المصري إلى لبنان، وتستفيد من عبوره الأردن وسورية.
بذل جلالة الملك جهودا سياسية نوعية مهمة لإقناع الأطراف كافة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، الحاضرتين عسكريا في سورية، أن تدفق الغاز فيه مصلحة للجميع، وأن له أثرا إيجابيا على الأمن والأستقرار في المنطقة الكل مستفيد مصر تصدر وتبيع غازها وتستخدم خطوط أنابيب الغاز العربي، وسورية مستفيدة سياسيا وأمنيا من عبور الغاز عبر أراضيها، والأردن مستفيد لأن الأستقرار والأعتماد المتبادل وإنقاذ لبنان وإعادة سورية للحاضنة العربية مصالح أستراتيجية له، ولبنان المستفيد الأكبر لأنه يحصل على غاز أرخص من سعره بالأسواق العالمية في ظل أزمة طاقة اقتصادية مست الأستقرار في ذلك البلد الشقيق يكفي أن نرى كيف أن هذا المشروع أبعد ولو قليلا كل من لبنان وسورية عن الحاضنة الإيرانية، وقربهم من بعدهم الاستراتيجي العربي، هذا وحده مكسب مهم، وقد رأينا محاولات إيرانية لاستغلال أزمة الطاقة في لبنان، لكي تعمق نفوذها هناك، ولكي تفك الحصار المفروض عليها.
هذه النوعية من الأفكار الأردنية البراغماتية هي التي سترسخ الأستقرار في الشرق الأوسط، وتجلب الأزدهار الذي سيستفيد منه الجميع الأعتماد الأقتصادي المتبادل فكرة عبقرية اخترعتها أوروبا فرنسا بالتحديد لتجنب القارة الأوروبية سلسلة لم تنتهِ من الحروب، فكانت النواة هناك خلق سوق مشتركة لتصدير وصناعة واستهلاك خام الحديد، ليتطور ذلك فيما بعد ويصبح ما نعرفه اليوم بالسوق الأوروبية المشتركة، التي جعلت من أمن فرنسا وأزدهارها مصلحة أقتصادية وسياسية لعدوتها التاريخية ألمانيا، والحال كذلك بين بريطانيا وغيرها من باقي الدول وهكذا. الأعتماد المتبادل على الطاقة بين الدول العربية الأربع ربما لم يرتقي بعد لسوق أقتصادية مشتركة، ولكنه أساس أولي نوعي وخطوة نحو ذلك إسرائيل تحاول جاهدة وبإستمرار خلق حالة من الأعتماد الأقتصادي المتبادل مع جيرانها، إلا أن ذلك لم ينجح بعد لأسباب سياسية مرتبطة بطرفي المعادلة الأقتصادية بين إسرائيل ومحيطها، وقد كان لنتنياهو أثر تدميري على خلق أي شكل من أشكال الأعتماد الأقتصادي المتبادل إسرائيل تسعى لذلك لعلمها بأثر الأعتماد المتبادل على الأمن والأستقرار، وعلى التقارب السياسي المنشود.