أحمد سعد الحجاج
في زمنٍ كَثُرت فيه الألقاب وقَلّت فيه الأفعال، يطلّ علينا نواف العجارمة كإشراقة مميزة، ووجه مشرق من وجوه الوطن، لا تغيب هيبته عن الميدان ولا تفارقه إنسانيته في المكاتب. هو البدوي الأسمر، ابن العجارمة الكرام، الذين ضربوا في ناعور جذورهم، فأورثوا أبناءهم الشجاعة والكرم، وجعلوا من أصالتهم نبراساً للرجولة والوفاء.
من يعرفه بصفته الرسمية يراه قائداً تربوياً يزرع الهيبة أينما حضر، ومن يناديه بـ أبي البشر يلمس فيه العطف والاحتواء، ومن يصفه بـ البدوي الأسمر يقرأ في ملامحه وفاء الصحراء وشموخ الجبال. وعلى اختلاف الألقاب، تظل صورته واحدة: قائد يجمع بين الحزم والرحمة، وبين قوة القرار وصدق العطاء.
لقد جعل من وزارة التربية والتعليم ساحة عملٍ نابضة بالحياة، تحاكي هموم الناس وتستجيب لطموحاتهم، وحوّلها من مكاتب صامتة إلى ورشة دؤوبة تعكس روح الميدان. عنده المسؤولية ليست مظلة يُستظل بها، بل عهدٌ غليظ، وثقلٌ يتقدّم به على دروب خدمة الوطن.
مكتبه مفتوح على الدوام، لا يُغلق في وجه مراجع ولا يُصدّ فيه طالب حاجة. يجلس خلف مكتبه لا كمسؤول متعالٍ، بل كأخٍ كبير، يصغي بإنصات، ويُعطي بلا منّة. في حضرته يشعر المراجع أن بابه لم يُفتح للتكلّف، بل وجد ليؤكد أن المسؤولية الحقة هي خدمة الناس، وأن الأمانة التي يحملها هي صون لكرامتهم قبل أن تكون توقيعاً على ورق. وهكذا تحوّل مكتبه إلى بيت للثقة، يُطَمئن الداخل إليه، ويمنحه اليقين بأن صوته مسموع، وطلبه معتبر.
وحين ينزل إلى الميدان، ترى فيه القائد الميداني الذي لا يكتفي بالمكاتبات والتعليمات. يتنقل بين المدارس، يشارك المعلمين آمالهم، ويصغي إلى الطلاب كأنهم أبناؤه. يعرف أن التعليم ليس كتاباً يُدرّس فقط، بل حياة تُبنى، ورسالة تُحمل. ومن هنا كان دوره: يُذلّل العقبات، ويختصر التعقيدات، ويحوّل كل عسير إلى يسير، ويبتكر الحلول من رحم الإرادة، لتُزهر النتائج على أرض الواقع.
أما أصله العجَرمي، فلا ينفصل عن روحه؛ فقبيلة العجارمة في ناعور عُرفت بالشرف والوفاء، وفي شخص نواف يلمع ذلك الإرث واضحاً. فهو يتكلم بميزان الحكمة، ويصغي بأذن الإنصاف، ويَزن القول بالفعل، فلا إفراط في الوعد ولا تفريط في الإنجاز. ألفاظه تحمل موسيقى السجع: حديثه رجاءٌ ورخاء، وصمته وقارٌ واعتبار.
نواف العجارمة لم يكن يوماً اسماً عابراً في سجلات الوزارة، بل كان وما زال مدرسة في القيادة التربوية، ورمزاً في الجمع بين صرامة القرار ولطف المعاملة. فهو ليس مسؤولاً يحتمي بالمناصب، بل خادماً للمعلم، سنداً للطالب، ووجهاً مشرقاً للوطن.
وها هو حضوره اليوم، أقوى من كل الألقاب والمناصب: إن غاب عن المكاتب حضر في الميدان، وإن غاب عن العيون بقي في الضمائر، وإن صمت لسانه نطقت أعماله. هو باختصار لوحة متكاملة من الرجولة والحكمة، قائد لا تُقاس هيبته بالكرسي الذي يجلس عليه، بل بالقلوب التي تبايعه على الاحترام والإجلال. إنه رجلٌ لم يكتفِ بأن يكون أميناً عاماً للتربية والتعليم، بل صار أميناً على قلوب الناس وثقتهم، وصوتاً يعلو فوق كل صمت، وإرادة تمضي حيث تتعثر الإرادات.