كريستين حنا نصر
هذه الخطوة البالغة الاهمية في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هي الاعتراف الرسمي من قبل انجلترا والبرتغال وكندا واستراليا رسمياً بدولة فلسطين ، وهذه الخطوة التاريخية التي تحمل في طياتها حدث تاريخي يحمل بعداً رمزياً مهماً ، وتُعيد تسليط النظر الى موضوع حل الدولتين، رغم المرحلة المعقدة التي يمر بها الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ، وبشكل خاص بعد حادثة السابع من اكتوبر عام 2023م وتداعياتها المتمثلة بالحرب المستمرة بين اسرائيل وحماس على أرض غزة ، وأيضا كل هذا من شأنه التأثير على الوضع المستقبلي لهذا الصراع ، وبالاخص مستقبل غزة ومن سيحكمها مستقبلاً ، والان تطرح سيناريوهات لمستقبل غزة ، وأن لا يكون لحماس أي صلة عسكرية فيها ، أي أنه سوف تكون غزة منطقة منزوعة السلاح .
ويلاحظ ارتفاع عدد الدول العالمية المعترفة بالدولة الفلسطينية والتي بلغت 150 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة ، وحسب وصف السلطة الفلسطينية فهي تعد هذه الخطوة باليوم التاريخي ، وفي الجهة الاخرى اثار ذلك استنفار اسرائيلي مما ادى الى تصريح نتنياهو بالاصرار والمطالبة بضم الضفة الغربية كردة فعل مضادة للاعتراف بالدولة الفلسطينية . فلسطين وفي هذه المرحلة من تاريخها تعد دولة قائمة وفي نفس الوقت فانها دولة غير قائمة في المرحلة الحالية ، فقد حصلت على اعتراف دولي واسع ولها عدة بعثات دبلوماسية في العالم ، وتشارك في المحافل الدولية مثل الرياضية ، ولكن على أرض الواقع لا تملك أي حدود رسمية متفق عليها دولياً ، ولا تملك جيش يمثل الدولة الفلسطينية ولا اقتصاد قوي مستقل ، بالامكان الاعتماد عليه كلياً بدون مساعدات دولية ، حيث أن اسرائيل هي المتحكم في معابرها و وارداتها والاحتلال العسكري للضفة الغربية ما زال مستمراً .
وهنا بعد هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، وهو اعتراف رمزي ومعنوي في هذه المرحلة الحالية ، يعتبر موقفاً رمزياً واخلاقياً وسياسياً أكثر من كونه تغييراً أو خطوة ملموسة على ارض الواقع في هذه المرحلة المعقدة في هذا الصراع ، ولكن بالطبع فانه يلعب دوراً في تعزيز الحضور الفلسطيني في المؤسسات الدولية ، وايضا يفتح المجال لاقامة السفارات وتبادلها مع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ، وهذا الاعتراف جاء بعد حرب غزة المدمرة بين اسرائيل وحركة حماس ، والشعب الفلسطيني هو الذي دفع الثمن الاكبر جراء هذا الصراع ، من القتل والتهجير ودمار البيوت وسرقة المساعدات التي تقدم لهم ، حيث اصبحت غزة منطقة منكوبة وتعاني من صعوبة العيش فيها بطريقة طبيعية وبالاخص مع تزايد الاماكن السكنية المدمرة المليئة بالالغام . ان حل الدولتين المقترح بالمبادرة الفرنسية والسعودية ، التي قدمت من أجل اعادة إحياء حل الدولتين ، والذي يقوم على اقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة على حدود ما قبل عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية ، وهنا يكون السؤال الابرز ، هل يمكن تطبيق هذا الحل على ارض الواقع ؟ ، خاصة ان الولايات المتحدة ممثلة بالرئيس ترامب لم يعرب عن دعمه لهذه الخطوة ، خصوصاً انه في كلمته أمس في الامم المتحدة استبعد الموضوع كله في حديثه ، ولم يشر اليه في كلمته ، وايضاً كنتيجة للاعتراف بالدولة الفلسطينية نجد أن نتنياهو وكردة فعل أظهر عزمه بأنه سوف يوسع من تطبيق خطوة ضم الضفة الى اسرائيل ، أي بالمحصلة رفض اسرائيل والحكومات المتعاقبة فيها لمسألة حل الدولتين ، وفي نفس الوقت لم يقدم اي تنازلات مهمة في هذا الملف ، وقد تمكن هذه الخطوة اي الاعتراف بالدولة الفلسطينية من مساعدة الفلسطينيين بالمطالبة بالمزيد من الحقوق في المحاكم والمنظمات الدولية ، ولكن دون سيادة على الميدان وأيضاً سوف يخلق ذلك فرص جديدة للفلسطينيين وامكانية القيام بضغوط اضافية على اسرائيل ، وهذا الاعتراف بالطبع ليس نهاية الطريق والتطبيع يجري على ارض الواقع ، ولكن الاعتراف هو خطوة تعكس الارادة الدولية للبحث عن حلول لهذا الصراع وللضغط على اسرائيل ، وفي نفس الوقت يضع المسؤولين الفلسطينيين أمام ضرورة اصلاح البيت الداخلي ، خاصة اعداد مؤسسات قادرة على السعي نحو ترجمة هذا الاعتراف من موقف رمزي سياسي الى واقع عملي ملموس على ارض الواقع ، ويبدو أن الطريق الى الدولة الفلسطينية هو بعيد وليس مكتملاً والتطورات القادمة سوف تقود الى تبلور الامور بشكل أكثر وضوحاً ، وبالاخص الطريق المستقبلي الشاق لتحقيق ذلك ، مع وجود معيقات سوف تواجه جهود امكانية هذا التحقيق . وهنا يصرح الملك عبد الله الثاني بن الحسين في خطابه أمس في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، بأنه ومرة أخرى لانعقاد اجتماعات الجمعية العامة يكرر الحديث مراراً عن الصراع في المنطقة ، خاصة ما يتصل بالقضية الفلسطينية وهنا يتساءل العاهل الاردني في امكانية القدرة على الحل ، حيث أن الصمت المتكرر أمر يفيد بمعنى قبول الوضع الحالي ، اي التخلي عن انسانيتنا وهذا بالطبع غير ممكن ، والسؤال الى متى يتحمل الفلسطيني القصف العشوائي والتشريد ؟، ويحرمون من حقوقهم بما فيها الكرامة الانسانية مراراً وتكراراً ، ويؤكد الملك على ان هذا الصراع هو ليس الوحيد في العالم ولكنه الاقدم حتى اليوم ، وان هذا الصراع القديم الجديد لا يزال مدرجاً على جدول اعمال الامم المتحدة ، وعلى امتداد ثمانية عقود ، والتدابير المؤقتة والاتفاقيات المرحلية الى الان لم تحقق الهدف النهائي للحل ، وفي نفس الوقت يتزايد التوسع الاسرائيلي ، وباعتبار العمليات العسكرية مستمرة في هذا الصراع فان العائلات الاسرائيلية لم تتمكن ايضا كما هي الفلسطينية من العيش بأمان في ظل هذا الصراع المستمر دون حل . وهنا يصرح جلالة الملك من استيائه لدعوات الحكومة الاسرائيلية الحالية والتي تنشر خرائط لاسرائيل الكبرى مراراً ، ويظن العاهل الاردني أنه لن يتحقق ذلك الا بالانتهاك الصارخ لسيادة وسلامة اراضي البلدان المجاورة لحدود اسرائيل ، ولهذا السبب لا يعتقد جلالته ان اسرائيل ترغب بالسلام مع جيرانها ، ويعتقد أيضا أن المعايير تُطبق على دول ولا تطبق على أخرى ، ويسأل جلالة الملك :” متى سندرك أن قيام الدولة الفلسطينية هي ليست مكافأة لكن حق لهم ؟” . وكأوصياء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس فان أي عبث بالوضع الحساس في مدينة القدس سيسبب انفجار صراع عالمي ، وان الصراع المسلح بين الاسرائيليين والفلسطينيين حيث يعلم الطرفين أن هذا الصراع المسلح اذا استمر فسيكون ملاذهم الوحيد ، وبالتالي يعتقد جلالته أن الحل الوحيد هو حل الدولتين وفق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ، اي قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية ، الى جانب دولة اسرائيلية آمنة تعيش بسلام مع جيرانها. ويختم جلالة الملك بأنه وعلى مدى العامين الماضيين ، بات واضحاً أن ضمير العالم تحرك بصوت واحد بأن الوقت قد حان لحل هذا الصراع ، ويجب على الأمم المتحدة أن تردد هذا النداء ( الوقت قد حان ) ، أي تحقيق السلام الشامل والعادل . وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة اشارت جلالة الملكة رانيا في كلمتها في الاجتماع رفيع المستوى بمناسبة الذكرى الثلاثين للمؤتمر العالمي الرابع للنساء ، الى واقع المرأة العربية في ظل الصراعات ، وبشكل خاص فقد سلطت جلالتها الضوء على حال المرأة في غزة ومعاناتها جراء الصراع القائم بين اسرائيل وحماس ، حيث تعيش في ظروف صعبة من جوع وتشريد ، الامر الذي جعل جلالتها تدعو الأمم المتحدة لاتخاذ موقف حاسم ضد منتهكي القانون الإنساني الدولي، وتدافع عن حقوق النساء . والان فإنني أرى بانه في هذه المرحلة التي يمر فيها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، فإن الجميع يتمنى أن يكون هناك حل ، وبالاخص للذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة ليكون الحل فرصة للتعايش السلمي بينهم ، وفي الوقت نفسه نلاحظ بوادر لحلول سلمية ممكنة تلوح في الأفق واعتقد انه لا حل ولا سلام في الشرق الاوسط الا بحل الموضوع العالق أي الصراع الفلسطيني والاسرائيلي ولا شرق أوسط مزدهر بدون حلول للقضايا العالقة ، وبشكل خاص المتعلقة بحقوق الشعوب في العيش الكريم والسلام .