في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء وتقلّ فيه الكلمات التي تضيء الطريق، يطلّ الصحفي والكاتب محمود الداوود كواحد من أولئك القلائل الذين جعلوا من الحبر رسالة، ومن الكلمة موقفًا.
ابن الأردن، ابن الحرف العصيّ على التكرار، هو صوتٌ لا تستهويه الصدفة ولا تغريه الزوايا الساكنة. صحفي ينتمي إلى مدرسة الالتزام، تلك التي ترى في الصحافة واجبًا قبل أن تكون مهنة، وفي الثقافة بوصلة لا تتعطّل.
في مقالاته، كما في ندواته، يمسك الداوود بخيط السؤال ويمضي، لا يبحث عن إجابات جاهزة، بل عن أفق جديد يفتحه النقاش وتهذّبه التجربة. كتب في عدة صحف أردنية محلية من يومية وأسبوعية والكترونية، منطلقا من صحيفة ” الأسواق” اليومية الشاملة، وترأس تحرير صحف أسبوعية والكترونية، وعمل وكتب في صحف خليجية وعربية، وشارك في مبادرات ثقافية جعلت منه شاهدًا على المشهد الأردني، وأحيانًا صوته النقيّ حين تتشابك الأجندات وتضيع البوصلة.
وما بين السياسة والاجتماع والأدب، ظلّ محمود الداوود وفيًّا لفكرة العدالة الثقافية. في مجموعته القصصية “الماضي والربيع الأخضر”، لم يكن مجرّد راوٍ لأحداث، بل حاملًا لوجع الناس العاديين الذين مرّوا من الأزقة نفسها التي مشى فيها ذات طفولة، وعبر عما في الوجدان في كتابيه “همسات دافئة” و”كلمات للحياة”.
ليس غريبًا أن يتصدّر الحوارات الثقافية، وأن يُنتخب عضواً فاعلًا في اللجنة الثقافية لنقابة الصحفيين، ويترأس اللجنة لعدة دورات انتخابية، فقد عرف كيف يحوّل التجمعات المهنية إلى منصات للضوء، وكيف يخلق من الطاولة الدائرية مائدة للنقاش الناضج. ناهيك عن عضويته في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين ومنتديات ثقافية أخرى وضع فيها بصمته.
وهو في كلّ هذا، لا يتكئ على شهرة آنية ولا على صخب استعراضي، بل على اتزان فكري وشغف لا يخفت، وحرص نادر على المضمون لا القشرة.
محمود الداوود ليس فقط صحافيًا بارعًا، بل هو مثقّف عضوي، ما زال يؤمن أنّ الكتابة قادرة على فتح النوافذ، حتى حين تُغلق الأبواب. وان الكلمة مفتاح النقاش الراقي وأنها البعد الإنساني لفهم الآخر، لم يكن صداميا مع أحد إنما مستمعا للآراء مقدرا كل فكر ومتسامحا من الاعماق.
الإعلامية مايا إبراهيم