إنجاز-في رحلة تحمل عبق الماضي وتستشرف آفاق المستقبل، قامت لجنة المرأة في الاتحاد النوعي للنحالين الأردنيين، ممثلة برئيستها المهندسة لمى بدران ونائبتها السيدة منى المنفلوطي، بزيارة خاصة إلى محافظة الكرك يوم الأربعاء الماضي الموافق 10 أيلول 2025، تلبيةً لدعوة النحالة الأردنية شادية العويسات.
هذه الزيارة لم تكن عادية، بل كانت أشبه بعودة إلى جذور تربية النحل في الأردن، حيث يشكّل إرث عائلة العويسات نموذجاً فريداً بدأ منذ عام 1932 بخليّة واحدة، ليتوسع خلال العقود التالية حتى بلغ ذروته في ثمانينيات القرن الماضي مع مئات الخلايا المنتجة للعسل البلدي.
هذا الإرث الزراعي لا يروي فقط حكاية عائلة، بل يختصر مسيرة وطنية عريقة في العطاء والعمل الدؤوب. وخلال الجولة، اطّلع وفد اللجنة على أسرار التنوع في سلوكيات النحل البلدي، حيث تحدثت العائلة عن مسميات شعبية كانوا يطلقونها على بعض أنواعه، منها: – النحل الحَرّاثي أو السيافي: يبني أقراصه الشمعية على خط واحد يمتد طولياً من مدخل الخلية حتى نهايتها.
– النحل الإشْكَالي: يبني أقراصه بزاوية مائلة تقارب ٤٥ درجة عن المدخل.
– النحل الغَنّامي: يبني أقراصاً شمعية دائرية متوازية مع مدخل الخلية، وكان يحظى برغبة النحالين القدامى أكثر من غيره.
– النحل الهلالي: ينسج أقراصه على هيئة أهلة.
هذه التسميات –وإن كانت محلية وشعبية وليست علمية– تعكس ثراء الموروث المعرفي عند النحالين الأوائل. وإلى جانب ذلك، تستمر العائلة اليوم في تربية النحل باستخدام خلايا لانجستروث الحديثة، كما هو الحال عند معظم النحالين حالياً. هذا التنوع يعكس ثراء الطبيعة الأردنية وعمق الخبرة التي تناقلتها الأجيال. لكن بين عبق الماضي، يواجه حاضر النحل تحديات قاسية. فقد شددت النحالات خلال الحوار على أهمية التوسع في زراعة الأشجار الرحيقية مثل السدر والزيزفون والنبق والكينا، باعتبارها خط الدفاع الأول للحفاظ على مراعي النحل وضمان وفرة إنتاج العسل البلدي.
كما أعربن عن قلقهن من المخاطر المتزايدة التي تهدد القطاع، وعلى رأسها البيوت البلاستيكية المنتشرة في المنطقة، ورش المبيدات الكيميائية، إضافة إلى طائر الوروار الذي يتغذى على النحل، مما ساهم في تراجع ملحوظ في أعداد الطوائف وإنتاج العسل مقارنة بالعقود السابقة.
وفي خطوة عملية لدعم المرأة النحالة، قامت لجنة المرأة بتوزيع بدلات خاصة بالنحالات ضمن المبادرة المقدمة من غرفة صناعة الأردن لدعم أنشطة الاتحاد، في بادرة تؤكد حرص الاتحاد النوعي للنحالين الأردنيين على تمكين المرأة العاملة في هذا القطاع وحمايتها أثناء ممارسة عملها.
الزيارة لم تنتهِ دون لمسة إنسانية تعكس أصالة أهل الكرك، إذ استقبلت العائلة الوفد بكرم ضيافة يعكس روح الانتماء للأرض والاعتزاز بمهنة توارثتها الأجيال.
إن قصة عائلة العويسات وغيرها من العائلات الأردنية في تربية النحل ليست مجرد تجربة محلية، بل هي شهادة حيّة على أن الأردن كان ولا يزال أرضاً للخيرات، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في رحلة عسل لا تنضب.
وقد أكدت هذه الزيارة أن دور المرأة في تربية النحل يتجاوز حدود العمل إلى صناعة الأمل، وتعزيز الصلة بالأرض، وحماية إرث الأجداد.
وهكذا تجسّد على أرض الواقع الشعار الذي تؤمن به لجنة المرأة في الاتحاد النوعي للنحالين الأردنيين: “النحلة تبني الخلية… والمرأة تبني المجتمع”.
الاتحاد النوعي للنحالين الاردنيين