أحمد حمد الحسبان
دعوات مستغربة على نطاق ليس ضيقا، لإلغاء مجالس المحافظات» اللامركزية» بحجة عدم نجاحها.
المستغرب في تلك الدعوات أنها لا تتطرق إلى مسببات عدم النجاح، وتحديدا القانون الذي ينظم ذلك الملف، والذي كان مثار جدل منذ أن تم وضعه، بحكم ما يعانيه من ثغرات تفرغه من مضمونه، وتجعله عاجزا عن التماشي مع ما هو مطلوب منه.
ولو استرجعنا الجدل الذي رافق إقرار القانون بصيغته التي طبق بها، لأدركنا أهمية الاعتراضات التي أثيرت حوله، وبخاصة ما يتعلق بصلاحيات المجالس، وبآليات عمله ومرجعياته التنظيمية والإدارية. والتي لا أعتقد أنها كانت مبنية على رغبة بمنح المجالس الاستقلالية وهامش الحركة الذي يجعلها مجالس خدمية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
في التفاصيل، لا تشارك المجالس بوضع الموازنة العامة للدولة، وبخاصة ما يتعلق بالمخصصات لكل محافظة. ولم يؤخذ بمضامين تقاريرهم المرفوعة بشأن المشاريع المطلوبة وذات الأولوية ومخصصاتها، فتكون النتيجة رصد مبالغ بسيطة جدا لا تكفي لعشر ما هو مطلوب على درجة الاستعجال ويترك للمجلس حرية التصرف بها.
فعلى سبيل المثال تتراوح المبالغ المخصصة للمحافظات بما فيها المحافظات مترامية الأطراف ـ ما بين 10 الى عشرين مليون دينار، لا تكفي لإقامة مدرسة أو مركز صحي، أو خطوط مياه أو إصلاح طرق زراعية متهالكة ـ وأكثر من نصف الطرق الزراعية لم تعد صالحة للسير عليهاـ . الأمر الذي يضع أعضاء المجالس في حرج كبير أمام من يمثلونهم، إما لعدم تمكنهم من تلبية مطالبهم المحقة، أو بسبب من تقرر الوزارات المختصة تنفيذ مطالبهم خارج اطار المجالس.
وفي مجال التنفيذ، فإن العملية تدخل في إطار الروتين الحكومي، لتتدنى عملية التنفيذ خلال السنة إلى أقل من نصف المبالغ المرصودة أحيانا، فتعود المبالغ المتبقية إلى الموازنة، أو يتم تدويرها إلى الموازنة القادمة بكل ما في ذلك من إشكالات تقلل من مدى الاستفادة منها.
وما يزيد من تعقيدات الأمور تعدد حلقات المرجعات التي تتعامل معها المجالس التي سميت ب» اللامركزية»، خلافا لواقعها الفعلي. فكل مجلس مرتبط بالمحافظ، والمحافظ مرتبط بوزارة الداخلية أصلا، لكن مسار المعاملات الخاصة بتلك المجالس في اتجاه وزارة الإدارة المحلية التي يفترض أن تكون مرجعيتها المباشرة.
كل ذلك يتقاطع مع ما تعتبره المجالس البلدية والتنفيذية تداخلا مع اختصاصاتها، وما يؤسس إلى حالة من التنافس السلبي، الذي ينتهي عند إخراج الحلقة الأضعف من السباق. فالمجالس البلدية تحصّل رسوما وبدل خدمات، وتمتلك موازنات، وتستطيع أن تقترض من بنك تنمية المدن والقرى، وتحصل على مساعدات خارجية، وتنفق ضمن إمكاناتها. بينما مجالس المحافظات لا تمتلك أدنى المقومات لتنفيذ أي نشاط.
من هنا فالمصلحة العامة تقتضي أن يصاغ قانون جديد لمجالس المحافظات، يكون فيها المجلس برلمانا خدميا للمحافظة. ومظلة لكافة الأعمال والنشاطات الخدمية وفقا لما يتوافر من مخصصات، وبحيث يكون التنفيذ للبلديات وللمديريات كل ضمن اختصاصها.
فمن حيث المبدأ، يشارك المجلس في بناء موازنة محافظته وفقا لمخصصاتها في موازنة الدولة، وموازنة البلدية، وأي إيرادات أخرى، بصورة متكاملة وفقا لذلك.
وسيكون متاحا امام المجلس وضع خطة ثلاثية أو رباعية، للمشاريع في تلك المحافظة. ويكون مرجعا لكل الشؤون الخدمية تحت مظلة الدولة ولكن ضمن تخطيط وتصور تنموي شمولي لمختلف مناطق الاختصاص.
المهم هنا أن نعتبر أن إخفاق مجالس المحافظات لا يعني خللا في المجالس ذاتها وإنما في القانون القاصر الذي وضع ضمن مكاسرات لا أعتقد أنها كانت بريئة. ولا اعتقد ان الدعوات الحالية بإلغائها بريئة أيضا.
[/animate]