كتب: ليث الفراية
هناك رجال لا يظهرون في ضوء الكاميرات بل في ضوء ما يتركونه من أثر رجال لا يرفعون أصواتهم في المنابر بل ترفعهم أفعالهم في وجدان الناس من بين هؤلاء يجيء المهندس زياد الحمصي مثل صفحة من تاريخ نقي يكتبها العمل لا الادعاء ويسطرها الإخلاص لا التصفيق هو رجل لا يتحدث عن الصناعة من فوق برج إداري بل من قلب التجربة التي صنعت له هوية خاصة تجمع بين الفكر والإرادة وبين الاقتصاد كعلم والإنتاج كإيمان . إنه من أولئك الذين يرون في كل مصنع وطنًا مصغرًا وفي كل عامل قصة انتماء لم يعتنق الاقتصاد كمهنة بل كرسالة ولم يجعل من الصناعة وسيلة للربح بل طريقًا لبناء الإنسان والكرامة هو ابن الميدان الذي يعرف وجوه العاملين ويدرك أن الأوطان لا تبنى بقرارات مؤقتة بل برجال يدركون قيمة كل مسمار وكل حجر في طريق النهضة . لم يكن الحمصي يومًا من أولئك الذين يصنعون مجدهم خلف الأبواب المغلقة بل من الذين اختاروا الطريق الأصعب طريق العمل الميداني الذي يبدأ من المصنع وينتهي في التشريع ومن فكرة صغيرة تتفتح على مستوى الوطن كان يؤمن أن الصناعة الأردنية ليست قطاعًا اقتصاديًا فحسب بل قضية وجود وأن حماية المنتج المحلي هي دفاع عن هوية وطنية لا عن مصلحة خاصة ولهذا لم تكن قراراته مجرد مواقف إدارية بل رؤى عميقة تنبع من إحساس بالمسؤولية تجاه وطن اختار أن ينهض رغم قسوة التحديات . تجده في حديثه يتكلم عن الصناعة كما يتحدث الفنان عن لوحته يرى في كل عامل قصة وفي كل آلة نبضًا وفي كل مصنع حياة تتشكل من جديد تلك النظرة الإنسانية العميقة هي التي جعلت منه أكثر من رجل أعمال جعلت منه مفكرًا اقتصاديًا يدرك أن التقدم لا يقاس بحجم الإنتاج فقط بل بمدى قدرته على خلق فرص للناس وتحقيق العدالة الاقتصادية بينهم كان يردد دائمًا أن الصناعة لا تزدهر إلا حين يشعر العامل أنه شريك في الإنجاز لا مجرد رقم في جدول الرواتب . زياد الحمصي ليس ممن يكتبون الخطب بل ممن تصنع أعمالهم خطابًا مستمرًا عن الوطنية والنهضة حين تتأمل طريقه تدرك أنك أمام عقل يؤمن بالتكامل لا بالصراع بالاستثمار في الإنسان لا في الشعارات وبأن الوطن لا يبنى بالأصوات العالية بل بالعمل الصامت المتقن ولعل أجمل ما فيه أنه لم يسمح للمناصب أن تغير طباعه بقي كما عرفه الناس هادئًا حين يتحدث حازمًا حين يقرر شجاعًا حين يدافع عن قناعاته . وفي عالم يتغير كل يوم ظل الحمصي ثابتًا في رؤيته أن الصناعة هي خط الدفاع الأول عن الاقتصاد الوطني وأن على الأردن أن يثق بقدراته الإنتاجية كما يثق بترابه وتاريخه لم يكن يخشى المواجهة حين يتعلق الأمر بمستقبل الصناعيين الأردنيين وكان من أوائل من دعوا إلى تطوير بيئة العمل وتحديث التشريعات لتواكب التحولات العالمية دون أن تفقد خصوصيتها الوطنية فهو يرى أن الانفتاح ليس انبهارًا بالآخر بل تطوير الذات بما يليق بمكانة الأردن وشعبه . في النقاشات الاقتصادية الكبرى كان صوته مختلفًا يتحدث بعقل المهندس الذي يرى التفاصيل وبفكر رجل الدولة الذي يفهم التوازنات وبقلب المواطن الذي لا يفصل بين الأرقام والوجدان لذلك حين تولى مسؤولياته في غرف الصناعة والهيئات الوطنية كان حضوره أكثر من إداري كان بوصلة تشير إلى الاتجاه الصحيح حين تلتبس الطرق . ولأن من يعمل بإخلاص لا بد أن يكرم كان تتويجه برئاسة غرفة التجارة الدولية حدثًا طبيعيًا لا مفاجئًا فهو الرجل الذي صدر الفكرة الأردنية إلى العالم قبل أن يصدر أي منتج والذي فهم أن موقع الأردن لا يقاس بمساحته الجغرافية بل بدوره في الاقتصاد الإقليمي والدولي في فكره كل شركة أردنية هي سفارة للوطن وكل مستثمر ناجح هو رسول يحمل رسالة الأردن إلى الخارج . الحمصي في جوهره ليس رجل أرقام ولا مؤسسات فقط بل رجل رؤية يؤمن أن الاقتصاد بلا أخلاق يتحول إلى سلطة عمياء وأن النجاح بلا قيم يفقد معناه لذلك كان حريصًا على أن تبقى الصناعة الأردنية متصالحة مع مجتمعها منفتحة على محيطها قادرة على أن تخلق فرصًا لا وعودًا وأن تعيد بناء الثقة بين رأس المال والعمل بين المستثمر والعامل بين الطموح والواقع . وهو اليوم يمثل ذاكرة حية للصناعة الأردنية إذ خدم اثنين وثلاثين عامًا متواصلة عضواً في غرفة صناعة عمان ليصبح بذلك أكثر من خدم في تاريخها رجلٌ جعل من الخدمة الصناعية مسيرة حياة لا مرحلة عابرة ومضى في طريقه كمن يكتب فصلاً من فصول الانتماء بصمتٍ وعملٍ وإيمانٍ بأن الوطن يستحق أكثر دائمًا . اليوم حين نتأمل مسيرة المهندس زياد الحمصي ندرك أن بعض الرجال يصنعون لأنفسهم مكانًا في التاريخ لا لأنهم سعوا إليه بل لأنهم ساروا باتجاه الحقيقة حمل هم الصناعة فصار عنوانها ودافع عن الاقتصاد الوطني فصار ركيزته وآمن أن الوطن لا يبنى بالمصادفة بل بالتخطيط والصبر والرؤية في كل مرحلة من مسيرته كان يحمل الأردن في قلبه لا في شعاراته ويؤمن أن خدمة الوطن هي الامتحان الأصدق لأي موقع أو مسؤولية . إن الحديث عن زياد الحمصي هو حديث عن فكرة عن مدرسة اقتصادية تؤمن أن العظمة لا تصنعها الألقاب بل تصنعها المواقف هو الرجل الذي لم يتعب من الإيمان بأن المستقبل يبدأ من المصنع وأن اليد التي تبني لا بد أن تكرم وأن الوطن الذي يحلم لا بد أن ينهض في زمن يكثر فيه الكلام ويقل فيه العمل يبقى الحمصي شاهدًا على أن الفعل الصامت هو أبلغ أنواع الخطاب وأن من يبني اقتصاد وطنه يبني في الحقيقة ذاكرة أمة بأكملها .












