م. سعيد بهاء المصري
منذ أن تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية قبل أكثر من ستة وعشرين عامًا، حمل جلالته القضية الفلسطينية في وجدانه، وجعلها في صدارة أولوياته السياسية والدبلوماسية. لم يكن ذلك خيارًا عابرًا، بل امتدادًا لإرث هاشمي راسخ في الدفاع عن القدس وحقوق الشعب الفلسطيني على الارض الفلسطينية، إيمانًا منه بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة.
إرث هاشمي ممتد
واصل جلالة الملك مسيرة والده وأجداده في الدفاع عن فلسطين، معتمدًا على الشرعية التاريخية والدينية والدبلوماسية التي يتمتع بها الهاشميون. فمنذ بدايات عهده، أكّد في جميع المحافل الدولية على مركزية القضية الفلسطينية، واعتبر أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليست مطلبًا فلسطينيًا فحسب، بل مصلحة أردنية وإقليمية ودولية لضمان الأمن والاستقرار.
مواجهة سياسات الاحتلال
رغم الإجراءات التعسفية التي مارستها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصًا في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كرّس سياسات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية، فقد ظل الملك عبدالله الثاني ثابتًا على موقفه. استند جلالته في حججه إلى قرارات الشرعية الدولية بدءًا من القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب 1967، مرورًا بالقرارات اللاحقة التي أكدت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال.
بناء التحالفات الدولية
عمل جلالة الملك على حشد المواقف المؤيدة لحل الدولتين في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مستثمرًا شبكة علاقاته الواسعة مع قادة العالم. وقد نجح عبر زياراته وخطاباته في المنتديات الكبرى – مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنتديات الاقتصادية والسياسية العالمية في ترسيخ قناعة دولية بأن غياب العدالة للفلسطينيين يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والعالمي.
اختراق في الموقف الأميركي والأوروبي
لم يقتصر تأثير الملك عبدالله الثاني على الدبلوماسية الأوروبية التي باتت تُجمِع على تبني حل الدولتين، بل امتد إلى الداخل الأميركي. فقد استطاع جلالته كسب تعاطف وتأييد عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية قضية عدالة وحقوق إنسان قبل أن تكون نزاعًا سياسيًا.
ثبات على المبدأ رغم العواصف
ما يميز نهج جلالة الملك هو الاستمرارية والإصرار؛ فخلال أكثر من ربع قرن، لم يتغير خطابه أو يتراجع عن مبدأ حل الدولتين، رغم تغير الإدارات الأميركية وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف. بقي متمسكًا بأن لا سلام ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مسجلا موقفا ثابتا حتى امام الجانب الإسرائيلي ، وأن الأردن سيظل صوته الأعلى دفاعًا عن حق الفلسطينيين المشروع.
وأختم بالقول.. لم يفقد جلالة الملك عبدالله الثاني يومًا قدرته أو ثقته بعدالة قضية فلسطين، حتى في ظل انزلاق الكثير من قيادات العالم نحو التأثر بالأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه عبر الطرد القسري للفلسطينيين من أراضيهم وحرب الابادة التي تمعن فيها ، سواء في غزة هاشم أو في الضفة الغربية. ورغم محاولات طمس معالم التاريخ وتزييف الحقوق من خلال الاستيطان المكثف وتغيير البنية الديمغرافية، ظل جلالته صامدًا على مواقفه، وكان موضع احترام دولي واسع.
لقد أسهمت جهوده في تشكيل جبهة عالمية قوية، إذ بدأت دول أوروبية وأميركية تعلن تباعًا اعترافها بالدولة الفلسطينية، بعد أن شهد العالم أجمع بأم أعينهم وحشية الاحتلال ومستوطنيه. ومن المؤكد أن لهذه النتائج أثرًا قويًا في ردع السياسات الحمقاء لزمرة اليمين المتعصب، وإعادة الحق إلى أصحابه.
وهنا يُسجَّل لجلالته أنه وفّر الغطاء السياسي والدعم الكامل عبر عقود للسلطة الوطنية الفلسطينية، وقدم بشكل مؤسسي العون الطبي والإغاثي للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وحتى أبناء فلسطين في أراضي 1948. إنها سياسات ثابتة قادها جلالته بصلابة الروح العسكرية وقلب قائد عربي يقود شعبه الأردني عبر تلال من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية إلى بر الأمان بإذن الله.
