إنجاز – في ظل التحول الرقمي المتسارع وانتشار المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تعيش الصحف اليومية في الأردن مرحلة دقيقة من إعادة الهيكلة والتكيف مع متغيرات العصر الجديد، فقد تغيرت عادات القراء بشكل جذري، وأصبح المحتوى السريع والرقمي الخيار الأول للجيل الجديد، ما فرض على الصحف التفكير بجدية في طرق جديدة للحفاظ على حضورها وتأثيرها في المشهد الإعلامي.
التحديات لا تقتصر على المنافسة الرقمية فحسب، بل تمتد لتشمل الضغوط الاقتصادية وتأثيرها على جودة المحتوى واستقلالية التحرير، وإلى جانب مواجهة موجة التضليل الإعلامي والأخبار المزيفة التي تتسارع في الانتشار عبر الإنترنت، خاصة في ظل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى.
ويبرز التساؤل حول مستقبل الصحافة المطبوعة في الأردن، ومدى قدرة الصحف على التحول إلى نموذج إعلامي متعدد المنصات، يجمع بين المصداقية والسرعة الرقمية، وبين التقليد والابتكار، كما يطرح السؤال عن الاستراتيجيات التي يمكن أن تعتمدها الصحف لاستقطاب القراء الرقميين، وضمان استمرار دورها المحوري في توعية الجمهور، وتعزيز ثقافة الاعتماد على مصادر موثوقة وسط بحر المعلومات الرقمية الواسع.
وفي هذا السياق قالت مدير عام صحيفة الرأي، هيام الكركي، إن الانتشار الورقي تراجع بوضوح مقارنة بما كان قبل عشر سنوات، بسبب تغير عادات القراءة وارتفاع كلفة الطباعة والتوزيع، ولكن التأثير لم يختفِ تماماً، بل أصبح محدداً في قضايا معينة عندما تقدم الصحف محتوى موثوقاً وتحقيقات نوعية أو مواقف وطنية واضحة، واليوم التأثير الأكبر ينتقل إلى المنصات الرقمية التابعة للصحف عندما تُدار بشكل مهني وسريع.
وأضافت تواجه ارتفاعاً كبيراً في كلف الورق والطاقة، وتراجعاً في الإعلانات لصالح المنصات الرقمية، وكذلك تعاني من تأخر التحصيلات والديون القديمة، مما يضغط على السيولة المالية، وهذا أدى إلى تقليل عدد الصفحات والملاحق، وتراجع الرواتب، وخروج بعض الكفاءات، مما أثر على جودة المحتوى، والحل يكون بتنويع مصادر الدخل مثل الإعلانات الرقمية، والتدريب، والطباعة التجارية، والمشاريع الجديدة.
وأوضحت الكركي منافسة التحول الرقمي في الصحف الأردنية غير متوازن، فبعضها طوّر مواقع وتطبيقات واستوديوهات، بينما بعضها الآخر ما زال متأخراً، والمنافسة اليوم تتطلب سرعة في النشر، وثقة في المعلومة، وقصة بصرية مشوقة، وتحليل بيانات لفهم الجمهور، ومن ينجح في الجمع بين هذه العناصر يستطيع أن ينافس بقوة على الفضاء الرقمي.
وبينت الكركي الضغوط الاقتصادية والسياسية تشكل تحدياً كبيراً أمام استقلالية القرار التحريري، وللحفاظ على هذه الاستقلالية يجب وجود ميثاق مهني واضح، وفصل بين التحرير والإعلان، وتنويع مصادر الدخل حتى لا تعتمد الصحيفة على جهة واحدة، إضافة إلى الشفافية مع الجمهور عند وجود تضارب مصالح.
وأشارت الكركي يمكن للصحف أن تلعب دوراً مهماً من خلال تخصيص مساحات ثابتة للتحقق من الأخبار والشائعات، وكما يمكنها شرح أدوات التحقق للجمهور، وتعليمهم كيفية تمييز المحتوى المضلل، وخصوصاً مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي، وإضافة إلى ذلك يمكنها التعاون مع المدارس والجامعات في برامج للتربية الإعلامية ونشر الوعي.
وتابعت الصحافة الورقية لن تختفي فوراً، لكنها ستتحول إلى منتج تحليلي أو أسبوعي أكثر تركيزاً وجودة، والمستقبل هو للنموذج الهجين الذي يجمع بين الورقي والرقمي، بحيث يكون الورقي رمزاً للثقة والعمق، والرقمي أداة للوصول السريع والتفاعل مع الجمهور، والمفتاح هو الدمج الذكي بين الهويتين دون التضحية بالمصداقية.
وأكدت الكركي لجذب الجيل الجديد، يجب تقديم الأخبار بأسلوب سريع وبصري مثل الفيديوهات القصيرة والإنفوغرافيك، وأيضاً تخصيص محتوى يخاطب اهتماماتهم اليومية مثل التعليم، الفرص، التكنولوجيا، والرياضة، وكما يجب بناء شخصيات إعلامية شابة داخل المؤسسة تتحدث بلغة قريبة منهم، ويمكن تعزيز الانتماء من خلال برامج تدريبية وشراكات مع الجامعات، ونظام ولاء رقمي بسيط، وباختصار الصحف اليومية في الأردن أمام تحديات كبيرة، لكنها ما زالت تملك فرصة حقيقية إذا طورت نفسها مهنياً ورقمياً، وتمسكت بالمصداقية والهوية الوطنية، وقدمت محتوى يخاطب الجيل الجديد بلغة يفهمها ويحترمها في الوقت نفسه.
وشددت الكركي على أن الصحافة الأردنية تعيش مرحلة مفصلية تتطلب قرارات جريئة، فالمشهد الإعلامي تغيّر بشكل عميق، ولم يعد الخبر وحده كافياً لجذب القارئ، بل أصبحت القصة الإنسانية والتحليل المتعمق هما ما يصنعان الفرق. والتحدي اليوم ليس فقط في مواكبة التكنولوجيا، بل في الحفاظ على القيم المهنية وسط زحام المحتوى السريع والمفتوح، والمؤسسات الإعلامية التي تدرك أن المستقبل يقوم على الابتكار والمصداقية معاً، هي التي ستبقى وتستمر، أما من يكتفي بالاعتماد على الإرث دون التطوير فسيجد نفسه خارج المنافسة.
ولفتت الكركي التجربة الأردنية في الإعلام ما زالت قادرة على أن تكون نموذجاً في المنطقة، إذا ما جرى الاستثمار في الإنسان الصحفي وتطوير مهاراته في مجالات السوشيال ميديا وصحافة البيانات والتحقق من المعلومات، والتحول الرقمي لا يعني التخلي عن الرسالة، بل توسيعها لتصل إلى جمهور أوسع وبأساليب أكثر تأثيراً. ومستقبل الصحافة في الأردن سيُصنع من تزاوج الخبرة الهاشمية في الحكاية واللغة، مع الأدوات الحديثة في العرض والتفاعل، والصحف التي تفهم جمهورها وتخاطبه بصدق ستبقى، مهما تغيّرت المنصات أو تبدلت الوسائل.
المصدر : صحيفة صدى الشعب