إنجاز-كتب إبراهيم السواعير –
يجيء تعيين الزميلة في “الرأي” رانيا تادرس مديرًا لمركز التدريب الإعلامي في المؤسسة الصحفية الأردنية “الرأي”، تأكيدًا على حضور الزميلة ودأبها ومسيرتها في التغطيات الصحفية منذ أكثر من عشرين عامًا؛ وكتتويج أيضًا لهذه المسيرة الحافلة لأي زميلة وزميل.
والزميلة رانيا تادرس دائمًا وخلال زمالتنا معها، تحرص الحرص كلّه على السبق الصحفي، ولها حضورها على منصات التواصل الاجتماعي، وتحظى بمتابعة كبيرة من صنّاع القرار وذوي العلاقة، بما تنشره من “سبوقات” صحفية تؤكد قوة من يتأسس على الصحافة الورقية أصلًا، والتي يبنى عليها كل تحول إعلامي ورقمي جديد.
فوجودها اليوم مديرًا لمركز التدريب الإعلامي في مؤسستنا، يعطينا انطباعًا بأن هناك تقديرًا من إدارة “الرأي” للكفاءات التي لا يجوز أن تبقى معطلة أو تتقهقر بعيدًا، فتظل مكتوفة الأيدي في الصحيفة التي تحتاج إلى تكاتف كل المبدعين في رحابها؛ فـ”الرأي” كانت وما تزال، خيمة واسعة لكل الإبداع.
والمسألة الثانية، هي أنّ تعيين الزميلة تادرس هو بمنزلة تأكيد أنّ الزميلات في “الرأي” يأخذن حقهن ويبدعن، ليس فقط في المجالات الصحفية، وإنما في المجالات الإدارية، كما أنّ تمكين المرأة، كمطلب ملكي في الدولة، يدخل فيه تمكين الصحفيات في أعمال أوسع؛ انطلاقًا من المظلة الواسعة لرؤية جلالة الملك بأن تتبوأ الزميلات مناصب مهمة.
وهذا يؤكد في الواقع قيمة أن تكون أي زميلة صحفية في “الرأي” أو خارج “الرأي”، رئيس تحرير أو مدير مؤسسة صحفية أو إعلاميّة، علاوةً على حضور المرأة الأردنيّة في الوزارات والقطاعات الأخرى الحيوية وطموحاتها الكبرى، كشريكة في تحمّل المسؤوليات.
ومُباركًا، تحدثتُ مع الزميلة تادرس حديثًا مطولًا ذا شجون وشؤون، حول أهميّة هذه التسمية، متأملًا إن شاء الله أن تأتي بكوادر تدريبية لـ”الرأي”، وأن تنصف زملاءها من داخل المؤسسة في التدريب- وليس في هذا تسويقًا لي؛ إذ أفضّل أن أبقى في الظلّ داعمًا ومساندًا- نحو أن يكون مركز التدريب الإعلامي ذراعًا قويًّا للمؤسسة، يرفدها بما يعينها على أداء عملها والتزاماتها، وفي الوقت ذاته يخرّج الكفاءات العاملة في الصحافة والإعلام، لأننا نعلم أنّ التحول الرقمي أمرٌ مهم، و”الناس” كلها سارت في التحول زمنًا ليس قصيرًا، بل دخلت الـ”AI” بثقة وشغف واقتدار.
ميزة الزميلة تادرس في اهتمامها بالإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي الذي بات يتخلل كل شيء في الحياة العامة والخاصة، وفي المؤسسات والأعمال الصحفية والإعلاميّة؛ لدرجة أننا أصبحنا نخاف من أن يكتب هذا “الذكاء” عنّا ويغلّ أيدينا، وهناك حالات صحفية أثبتت حضور “الذكاء” بشتيت معلوماته بالكامل لدى صحفيين وصحفيات!
والزميلة تادرس شغوفة في الحقيقه بأن تقدم شيئًا لافتًا، وطوال مهنتها كانت ذات حضور في الحصول على ما يميّز صحيفتنا ويجعلها منفردة في هذا الخبر أو ذاك؛ وفي تغطياتها وخبرتها في الإعلام والتدريب، وعملها مع القوات المسلحة ممثلة لـ”الرأي” ووزارة الداخلية، وغيرها من أعمال حققت بها نشاطًا وفاعليّة مشهودة.
أذكر، والذاكرة ليست ببعيدة، حضور الزميلة تادرس في الباقورة والغمر؛ كمنطقتين أردنيتين استعيدتا، وسط فرحة مرسومة على وجهها ووجوه كلّ الأردنيين والأردنيّات؛ ولهذ فمجرد أن تقدم إدارة “الرأي” الفرصة لأبنائها وبناتها لأن ينضووا تحت لواء المحبة والشغف، دون معاملتهم على أساس غير إبداعي؛ انطلاقًا من كونهم “موظفين غير عاديين”،..هو تصحيح لمسار الانكفاء والانطواء على الذات في فترة حرجة تزيد من هموم الصحفي همًّا على هم.
ولعلّ إدارة “الرأي” تدرك جيّدًا أن الصحفي هو “مزاج إبداعي” في النهاية؛ بل مزاج يجب أن يحاط بكل أسباب نجاحه، في الحصول على الفرادة وعلى ما يجعله يعطي بلا حدود؛ والصحفي حين يشعر بهذه المساحة سرعان ما يُقبل بكل محبة وإخلاص وبكل عطاء بلا حدود.
ولدينا في “الرأي” نماذج لزميلات وزملاء أعطوا وقدّموا، وكانوا أبناء للميدان، بل كانوا يمكثون في الميدان الصحفي أكثر مما يمكثون في بيوتهم، وكانوا فيما مضى يسكنون الجريدة، وربما ينامون فيها ولا يعودون إلى بيوتهم إلا مع طلوع الفجر، وهم يرددون “احنا اللي صحينا الشمس من نومها”… لماذا؟!.. لأنّ شغفًا كان يسكنهم، وبالتالي كلما زادت مساحة الثقة بالصحفي، وكلما قللنا من مساحة المعاملة العادية إلى المعاملة التي تفتح أمامه أبواب الإبداع، نكون قد أعطينا الصحفي ما يؤجج لديه هذا الإبداع.
لقد استطاعت “الرأي” عبر تاريخها، تخريج الكثير من الكفاءات ورفد الكثيرين من خريجي الصحافة والإعلام بالعملي والتطبيقي في سوق الصحافة والإعلام، على أيدي المَهَرة والخبراء والعائلة الواحدة في هذا المجال.
مرةً أخرى، هذا القرار الإداري بتسمية الزميلة رانيا تادرس، التي باشرت عملها مديرًا لمركز التدريب الإعلامي في “الرأي”، يؤكد لنا أهمية أن تعطى الفرصة للصحفي، في أن يصنع صحيفته بنفسه، فيكون قادرًا على الإسهام فيها إلى أوسع مدى وتسويقها والمباهاة بها والدفاع عنها في كلّ المحافل.
في الماضي القريب، كانت هناك معارك صحفية “نبيلة” بين الزملاء في الصحف الأردنية، تسندهم رئاسات تحرير صحفهم تحت مظلات إدارات هذه الصحف، فكان كلٌّ يريد أن يحصل على سبق مهم يأتي به لصحيفته، واليوم، ومع انتشار الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل ووفرة الأخبار ونوعيتها، ودخول الجمهور شريكًا في التقييم وربما الإحباط، فهناك مسؤولية تجعل من إدارة “الرأي” ذات توجهات حكيمة، لتستوعب ما هو أشبه بطوارئ على الصحافة الورقية.
أما وقد قطعت “الرأي” شوطًا طيبًا في التحول الرقمي وتوافرت على فضائية وشاشات وإذاعة وكاميرات محمولة وتنظيم للأعمال اليومية وما إلى ذلك؛ فعلينا أن نعمل على أن تكون هذه الأذرع، في مطبعتها العملاقة ومركزها للدراسات ومركز التدريب الإعلامي فيها، وكادر التحول الرقمي، سندًا ورافدًا يؤكد أن “الرأي” بيت خبرة، وأنّ لها حضورًا دائمًا في الوجدان؛ تتأكد بعد 54 عامً من عمرها المعطاء، صحيفةً للوطن والمواطن على الدوام.
ومرة ثالثة، فإنّ تعيين الزميلة تادرس هو خطوة مهمة لتأكيد أنّ أي صحفي لا يجوز أن يشعر بالإحباط؛ فيجلس في بيته مكتوفًا في حين تتاح فرص لآخرين، فالإدارات الناجحة هي التي تعمد إلى استثمار طاقة الصحفي والحصول على أكبر مدى فيها، وتوجيهها إلى ما ينفع الصحيفة ويميزها..
إنّ إدارة المؤسسة، في توقيتها المناسب لإطلاق الطاقات الصحفية المعطلة، تقوم بعمل مهم في قرارها الترجيحي في النهاية، وإدارة الأمور برؤية تحمل الثقة في إنجاح أي مؤسسة صحفية، ساعتها سيرتفع منسوب الثقة ويظلّ أبناء “الرأي” يعملون للحفاظ على قيم المهنة والعمل مع الصحيفة مهما كانت الظروف.
وبالمناسبة؛ لدينا نماذج نسائية مضيئة في المؤسسة الصحفية الأردنيّة”الرأي”: من مدير عام المؤسسة، إلى مدير مركز الرأي للدراسات، إلى زميلات في إدارة التحرير ملأن السمع والبصر بحصافة ومهنية عالية، وحين نبارك للزميلة رانيا تادرس حضورها والانتصاف لها بهذه النظرة الحكيمة والحضارية،..فإنّ الأمر فعلًا أكبر وأوسع من تمثيل سنوي في يوم المرأة العالمي تكون فيه الزميلات تباعًا رئيسات تحرير ليوم واحد؛.. إنّه العمل الجماعي الفاعل، الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض.