الحماية الاجتماعية في الأردن
حين تتحول الفكرة إلى منظومة
كتبت : أ. سارة حمور
عند اطلاعك على النسخة الجديدة من الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية (2025–2033)، ستجد بوضوح ان الحماية المستدامة لم تعد بندًا على هامش السياسات العامة، بل أصبحت إطارًا ناظمًا للتماسك المجتمعي، وعامل استقرار ذكي في اقتصاد متغير.
التحول الأهم لم يكن في إضافة برامج جديدة، بل في إعادة تعريف الغاية من الحماية: من رد الفعل إلى الاستباق، ومن الإعانة إلى الاستثمار في الإنسان، ومن الدعم المجزأ إلى نظام مترابط يبني مناعة اجتماعية شاملة.
الملفت أن محاور الاستراتيجية – كرامة، تمكين، فرصة، صمود – لم تُصغَ كعناوين علاقات عامة، بل كأدوات تشغيل قابلة للقياس والمراجعة، مدفوعة بتحولات تقنية ومؤسسية عميقة، من بينها إطلاق سجل اجتماعي موحّد يعيد تعريف الاستحقاق والعدالة، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم وربط البرامج وفق معايير واقعية لا نظرية، وتفعيل التكامل مع القطاع الخاص والمجتمع المدني ليس كشركاء رمزيين، بل كأطراف ممولة ومؤثرة وفاعلة.
كما أولت الاستراتيجية أهمية خاصة لبناء أدوات تقييم دقيقة تربط الإنفاق بالأداء، وتقلل الازدواجية، وتوجّه الموارد استنادًا إلى أدلة رقمية لا افتراضات.
ولأول مرة، جرى تنويع مصادر التمويل الاجتماعي بشكل مدروس، ليشمل مؤسسات دولية وفاعلين اقتصاديين ومجتمعات محلية، ضمن شراكات تتسم بالكفاءة والاستدامة.
ويُحسب لهذه الاستراتيجية إدراكها أن الاستدامة المالية ليست بندًا لاحقًا، بل ضمانة تشغيل مسبقة. إذ أعادت تعريف كلفة الحماية الاجتماعية على أنها استثمار طويل الأجل، لا عبء مرحلي.
وقد انعكس هذا التوجه في توحيد المنصات، وتوظيف أدوات قياس الأثر، وربط التمويل بمخرجات ملموسة، لا بموازنات جامدة.
كما يُعاد توزيع الأدوار التنفيذية من المركز إلى المحافظات، بما يعزّز من مرونة الاستجابة، ويقرّب القرار من المواطن، ويمنح أدوات الحماية معنىً عمليًا على مستوى الحياة اليومية.
كل ما سبق، لم يأتِ نتيجة اجتهاد تقني فقط، بل نتيجة وعي مؤسسي استباقي، يعتمد الرقمنة والتحليل المتعمق للحالات، لا في لحظة حاجتها، بل قبلها. وهنا تكمن الدروس القابلة للتصدير: أن أصل الحل ليس في مضاعفة الإنفاق، بل في مضاعفة الفهم، وإعادة بناء الأدوات، وتركيب القرار على أساس بيانات لا تخمينات.
وربما لا يقرأ هذا النص من كتب الوثيقة، لكن من يقرؤه يدرك أنها لم تُكتب بمعزل عن الواقع، بل صِيغت بأيدٍ فهمت الواقع وأعادته إلى الطاولة، لا ليُشتكى منه، بل ليُدار.
هذه ليست استراتيجية خدمات، بل خريطة انتقال نحو منظومة حماية تنمو مع الإنسان، وتتكيف مع مجتمعه، وتشتغل بمنطق الدولة لا منطق المشاريع المؤقتة.
هكذا يُبنى الثبات. وهكذا تُعاد الثقة.