مع انتهاء يوم الثلاثاء الماضي، أسدل الستار على استحقاق انتخابي، هو الأول من نوعه في المملكة، بإجراء انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات في يوم واحد، وكذلك إجراء أول انتخابات لمجالس المحافظات في تاريخ المملكة.
استحقاق ديمقراطي نوعي ومختلف عما عهدناه، انتخابات لثلاثة مواقع في يوم واحد، إجراءات منظمة وعالية المستوى، بيئة انتخابية مثالية لمشاركة سياسية أوسع، لاختيار ممثليهم في (رئاسة البلدية، المجلس المحلي، مجلس المحافظة)
يوم أردني بامتياز شهد تنافسا محموماً في بعض المناطق، وآخر باهتا في مناطق أخرى، مشاركة مرتفعة في بعض المحافظات ومتدنية في محافظات أخرى.
وشهدت المجريات الانتخابية من اقتراع وفرز تنظيماً وحرفية عالية المستوى غير أن عملية إعلان النتائج شهدت بعض الهفوات والاخطاء الفنية التي عكرت صفو هذه الانتخابات.
انتخابات نزيهة وهفوات فنية
وتوالت ردود الفعل منذ صبيحة يوم الثلاثاء الفائت لحظة فتح صناديق الاقتراع للناخبين في ظل اقبال متفاوت على المشاركة، حيث كان مرتفعا في بعض المحافظات ومتدنياً في أخرى.
وشهدت هذه الانتخابات حضورا كبيرا للجهات الرقابية المحلية والدولية، أدت دورها خلال مراحل الاقتراع والفرز وإعلان النتائج، وسلطت الضوء على بعض الانتهاكات والمخالفات المتفاوتة التي شهدتها مجريات العملية الانتخابية.
الجهات الرقابية هذه أشادت، بصراحة ووضوح، بمستوى التنظيم الذي شهدته العملية الانتخابية وسلامة الاجراءات التي انتهجتها الهيئة المستقلة للانتخاب والدعم اللوجستي اللازم لإنجاح هذه الانتخابات.
غير أنها (الجهات الرقابية) أبدت تحفظها على بعض الممارسات التي شابت العملية الانتخابية في مختلف المراحل والتي شكلت انتهاكات «متفاوتة المستوى» ارتكبها ناخبون في عدة مناطق، وسلطت الضوء عليها بشكل يؤشر على الخلل المترتب على هذه المخالفات.
وفي السياق ذاته أشادت الجهات الرقابية والاعلامية المختلفة محليا ودوليا بمستوى النزاهة والشفافية اللتين صاحبتا العملية الانتخابية من الاقتراع إلى فرز الأصوات فإعلان النتائج.
وفي هذا، فإن العملية الانتخابية جرت، وفقا للجهات الرقابية، دون أن يشوبها أي خلل جسيم أو تدخل من أي جهة حكومية من شأنها التأثير بإرادة الناخبين في اتجاه معين أو الدفع باتجاه دعم مترشح بعينه.
ولم تشهد التغطية الاعلامية وفق نقابة الصحفيين أي انتهاكات جسيمة بحق الصحفيين سوى بعض الحالات الفردية التي جرى التعامل معها من قبل غرفة العمليات التي أنشأتها النقابة لهذا الخصوص.
انتهت العملية الانتخابية، وظهرت النتائج متزامنة مع بعض الاختلالات التي شابت إعلان النتائج النهائية بسبب أخطاء فنية ورقمية، غيرت بعض النتائج بشكل غير مقصود.
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية – الجيش العربي، والأجهزة الامنية منعت منتسبيها ومستخدميها المدنيين كافة من المشاركة في انتخابات البلديات ومجالس المحافظات، حرصا منها على مبدأ نزاهة وشفافية الانتخابات.
مشاركة كبيرة في الأطراف ومتدنية في المراكز
وفيما يتعلق بمستوى المشاركة في الانتخابات، المجالس المحلية أو مجالس المحافظات، فقد تفاوتت لجهة حجم المشاركة، إذ أظهرت نسب المشاركة أنها كانت مرتفعة في محافظات الأطراف، كما في عجلون والكرك، ومتدنية الى حد كبير في العاصمة والزرقاء.
وفي هذا الشأن نجد أن هذا التفاوت يعود لاختصاص هذين المجلسين بالأمور التنموية والخدمية، الأمر الذي يمثل محل اهتمام كبير لمناطق الأطراف التي تعاني من شح الخدمات، مقارنة مع المدن الكبرى.
كما برز وبوضوح مستوى التنافس الشديد الذي شهدته مجريات العملية الانتخابية وما سبقها من تحضيرات واستعدادات في مختلف المحافظات التي يغلب عليها الطابع العشائري، الذي يسهم في ازدياد حمى التنافس بين المترشحين.
وشهدت بعض محافظات المملكة إقبالاً كبيراً من الناخبين منذ ساعات الصباح الباكر وتزايد الإقبال في فترة الظهيرة إلى ما قبل إغلاق الصناديق بدقائق، في المقابل شهدت المحافظات الكبرى تمديداً لفترة الاقتراع الى ما بعد السابعة (عمان والزرقاء لساعتين، وإربد لساعة) نظراً لنسب المشاركة المتدنية.
في المقابل تحفظ مواطنون على إجراءات الهيئة، فيما يخص إعلان النتائج، والتخبط والخلل اللذين شهدتهما نتائج بعض المجالس المحلية ومجالس المحافظات، خصوصاً مسألة إدخال النتائج النهائية التي كانت مغايرة في بعض المناطق لبعض النتائج الحقيقية.
وفي هذا السياق شهدت مناطق في المملكة اعتراضات كبيرة على النتائج النهائية التي أصدرتها الهيئة، لأنها غيرت، وبطريقة غير مقصودة، في نتائج بعض المناطق ،الامر الذي ادخل المواطنين في حالة ارباك كبيرة.
اللامركزية وغموض التجربة
وبخصوص انتخابات مجالس المحافظات (اللامركزية) كان اللافت في مختلف محافظات المملكة ان الناخبين صوتوا لأعضائها، بالرغم من عدم درايتهم الكافية بماهية هذه المجالس ودورها وواجبات عضو مجلس المحافظة.
هذا الأمر، يرى مواطنون ومراقبون أنه يعود إلى حداثة هذه المجالس وأنها تشكل لاول مرة وانها أول انتخابات لهذه المجالس، والمواطن لا يعرف عنها الكثير، في اشارة إلى الدور الملقى على المؤسسات والجهات ذات العلاقة لتثقيف وتوعية المواطن بهذه المجالس، وتحديدا وزارة الشؤون السياسية ووزارة الشباب اللتين قصرتا بشكل واضح في الوصول إلى الناس وشرح مضامين وأهداف اللامركزية.
ووفق مواطنين، فإن الفترة الممتدة من إقرار قانون اللامركزية (مطلع كانون أول 2015) إلى تحديد موعد الانتخاب (نيسان 2017) ذهبت دون فائدة مرجوة تعود على ثقيف وتوعية وتعريف المواطنين بالقانون وبأدوار مجالس المحافظات وواجباتها وأعضائها.
وفي ذات السياق، لاحظ مواطنون أنه «حتى مترشحو مجالس المحافظات لا يعرفون شيئا عنها او عن ابجديات عملها ومهامها المنوطة بها، في إشارة الى التقصير الواضح من الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن).
من هنا فإن عدم الدراية والمعرفة الكاملة بمهام وواجبات أعضاء مجالس المحافظات سيعود باثر سلبي على صلب عملهم ودورهم التنموي والخدمي لمناطقهم، ما يسهم وبشكل كبير في وجود حالة من التيه والتخبط عند البدء في ممارسة المهام المنوطة بهم.
وبخصوص نسب المشاركة في انتخابات اللامركزية يرى بعض المواطنين انها لو لم تأتي بالتزامن مع الانتخابات البلدية لن تكون نسبة المشاركة كبيرة، نظراً لغموضها وحداثتها بالنسبة للمواطنين.
المرأة والشباب.. مشاركة متدنية
وبخصوص مشاركة الشباب، خفض القانون سن الترشح من 30 الى 25 عاما، لتشجيع الشباب على الترشح، غير أن إحصائيات الهيئة المستقلة للانتخاب أظهرت أن نسبة المترشحين من سن 30-25 عاما بلغت 2%.
في المقابل أظهرت أرقام وزارة الشباب التي اعتمدت فئة المترشحين الشباب من سن 35-25 عاما بلغت النسبة 7%، وفي كلتا الحالين فالنسبة متدنية، ولم تحقق المأمول من تمكين الشباب، وكل ما قيل وأنجز من مبادرات وأنفق من أموال على مدى سنوات، وطرح من شعارات، تبين أنها خاوية وبلا معنى ولم تترك ذلك الأثر المتوقع في تشجيعهم على الترشح وتبوّء المواقع القيادية.
وهو ما يجعلنا نقف مليا امام: ماذا كانت تفعل المؤسسات المعنية بالشباب، وفي مقدمها «المجلس الأعلى للشباب (السابق) ووزارة الشباب وهيئة شباب كلنا الأردن؟
وفيما يخص مشاركة المرأة في الانتخابات من جهة الترشح كانت ضعيفة وغير مقبولة، خصوصاً في بعض المناطق التي شهدت شحاً في المترشحات لمقاعد الكوتا، خصوصاً في انتخابات مجالس المحافظات، التي فازت فيها 65 مترشحة بالتزكية.
ووفق احصائيات الهيئة المستقلة للانتخاب بلغ عدد المترشحات في مجالس المحافظات 116 مترشحة بنسبة 10% من إجمالي عدد المترشحين، فيما بلغ عدد المترشحات لرئاسة البلدية 5 مترشحات بنسبة 1% من إجمالي المترشحين، في المقابل بلغ عدد المترشحات للمجالس البلدية 1061 مترشحة بنسبة وصلت الى 23% من اجمالي المترشحين.
وهذا أيضا يطرح تساؤلات كبيرة حيال مئات المشاريع وعشرات الملايين التي أنفقت، وأنفقتها هيئات ومنظمات تأسست بحجة تمكين المرأة، وحصلت على ملايين من التمويل الأجنبي بحجة دعم المرأة، لنجد أن كل هذه المشاريع هي فقط حبر على ورق بدون إنجازات تذكر، سوى ما قدمته الدولة من دعم حقيقي تمثل في إفساح المجال للمرأة من خلال طرح الكوتا التي لم تستغل من قبل النساء.
المشاركة السياسية
ولوحظ ضعف المشاركة السياسية الحزبية في هذه الانتخابات، خصوصا في مجالس المحافظات، وهو خلل ربما يرجع إلى آلية الانتخاب التي أوجدها قانون اللامركزية، ولا يستبعد كذلك مشكلة جذرية تتمثل في بنى هذه الأحزاب، ووجود مشاكل في قانونها.
وظهرت المشاركة الحزبية من خلال مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي هو الىخر طرح عددا قليلا من الأسماء قياسا إلى عدد المقاعد، ومن خلال إيجاد تحالف مع جهات وشخصيات، ونجح 52 بالمئة من مرشحي التحالف. كما برزت مشاركة حزب جبهة العمل الإسلامي، التي كانت في جزء منها مشاركة عبر قناة العشائرية أكثر منها مشاركة على أسس حزبية.