خالد الشقران يكتب
تأتي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة في فترة وأوضاع إقليمية شديد الحساسية والتعقيد، حيث تتقاطع فيها الاعتبارات الانتخابية في الولايات المتحدة مع حسابات اليمين الإسرائيلي وضغوط المجتمع الدولي المطالب بوقف نزيف الدم الفلسطيني وإيصال المساعدات الإنسانية.
ورغم ما في الخطة من عناصر واقعية، إلا أنها لم تقابَل في إسرائيل بالإجماع، بل فتحت الباب أمام خلاف سياسي حاد داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، فنتنياهو الذي يعيش تحت ضغط داخلي متصاعد بسبب طول أمد الحرب وتزايد الخسائر، يجد نفسه أمام معضلة سياسية وأمنية، فهو من جانب لا يستطيع رفض خطة يدعمها حليف استراتيجي كواشنطن دون كلفة دبلوماسية عالية، ومن جانب آخر يخشى أن يؤدي القبول بها إلى انهيار ائتلافه الحكومي الذي يضم أحزاباً يمينية متشددة تعتبر أي وقف للعمليات أو انسحاب من غزة “هزيمة سياسية” وتهديداً لأمن إسرائيل.
التقديرات السياسية تشير إلى أن نتنياهو الذي لم يوقف القصف على غزة حتى وقت كتابة هذا المقال، قد يسعى إلى كسب الوقت عبر تبني شكلي للخطة مع إدخال تعديلات جوهرية تفرغها من مضمونها، كالإصرار على استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية في غزة أو تأجيل انسحاب القوات إلى أجل غير محدد، وفي الواقع إن هذا النهج التكتيكي الذي خبرته المنطقة في محطات سابقة يهدف إلى امتصاص الضغط الأمريكي والدولي دون تغيير فعلي في السلوك الميداني، إلا أن مثل هذا المسار سيضعف مصداقية الخطة نفسها، وربما يعيد احتمالات إعادة تأجيج الصراع إلى الواجهة، لأن الفصائل الفلسطينية ستعتبره خرقاً مباشراً للتفاهمات، وقد ترد بتصعيد جديد ضد المستوطنات أو المواقع العسكرية للاحتلال.
احتمال التصعيد لا يتوقف عند حدود غزة، بل قد يمتد إلى ساحات أخرى، حيث أن عرقلة الخطة قد تُستغل من أطراف ربما تشعر بأنها قد تكون التالي على سلّم أولويات الحكومة المتطرفة في إسرائيل؛ الأمر الذي قد يدفعها إلى القيام بإجراءات استباقية، كخلق أزمات متزامنة في لبنان والعراق واليمن، حيث يمكن أن يتحرك حزب الله والحوثيون ووحدات موالية لإيران لزيادة الضغط على إسرائيل وعلى الوجود الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يعني وفقا لهذا السيناريو أنّ أي تعطيل للخطة سيحولها من فرصة سياسية إلى شرارة مواجهة إقليمية واسعة، خصوصاً مع تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وتنامي الغضب الشعبي العربي والإسلامي.
من منظور واقعي، يتوقف نجاح خطة ترامب على ثلاثة عناصر: التزام إسرائيلي صريح بوقف العمليات العسكرية، وقبول فلسطيني بإدارة انتقالية تحظى بثقة شعبية، وضمان دولي يوازن بين الأمن والسيادة، أما في حال قرر نتنياهو مقاومة الخطة أو استغلالها لمكاسب داخلية، فإن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، حيث ستتراجع فرص التسوية وتتعزز نزعات التطرف في النهاية، وعليه؛ فإن مصير الخطة مرتبط بمدى استعداد الأطراف الفاعلة للانتقال من منطق القوة إلى منطق السياسة، ومن إدارة الحرب إلى إدارة السلام، وهي معركة لا تقل صعوبة عن تلك التي تدور على الأرض، فهل تنجح إرادة المجتمع الدولي في فرض السلام ومنع نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف من جر المنطقة مجددا إلى غياهب الفوضى؟