بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: الحقوقي صايل نصر الفقهاء
في زمن تطغى فيه الضوضاء، وتتعدد الأصوات، يبرز رجال يكون لهم بصمتهم الواضحة وصدقهم الجلي، إنهم صفوة القوم الذين يحملون رسالة الإعلام مسلحة بالمبادئ، مدعومة بالانتماء. ومن بين هؤلاء يقف الإعلامي الأستاذ فلاح القيسي شامخاً، كشجرة زيتونٍ غرسها أجداده في أرض مادبا الطيبة، فاستقت من عراقة الأرض، واصطبغت بأصالة الإنسان، وأثمرت وفاءً نادراً للوطن والمليك.
المستوى الأول: الانتماء إلى الأرض.. من مادبا ينبع الإخلاص
إن الحديث عن الأستاذ فلاح القيسي يبدأ من منبعه الأول، من محافظة مادبا، تلك اللوحة الفسيفسائية التي جمعت في طياتها تاريخ الأردن المجيد، وتنوعه الثقافي الثري. فمن هذه الأرض المباركة، تعلّم الرجل معنى الصمود، ومن جيرانها من مختلف الأطياف، فهمَ معنى الوحدة الوطنية الحقيقية. فكانت مادبا ليست مجرد مكان ميلاد، بل كانت مدرسة تخرج منها وهو يحمل في عقله وقلبه قيماً سامية جعلت منه إعلامياً مؤمناً برسالة وطنه، لا بمجرد مهنة يتكسب منها. فهو ابن البلد الذي لم ينسَ أبداً جذوره، فظلّ صوته يعكس هموم الناس البسطاء وآمالهم، منطلقاً من إيمان راسخ بأن خدمة الوطن تبدأ من خدمة أبنائه.
المستوى الثاني: الإعلام رسالة.. والكلمة مسؤولية
لم ينظر الأستاذ القيسي إلى مهنة الإعلام على أنها سباق وراء الأخبار الطريفة أو الإثارة الرخيصة، بل رفعها إلى مصاف الرسالة السامية. فالكلمة عنده مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنية، وهي أمانة يتحتم عليه أداؤها بكل صدق وموضوعية. وقد جسّد ذلك في برامجه وحواراته التي اتسمت بالعمق والاتزان، وبحثت عن جوهر القضايا دون انحياز أو تحيز. لقد كان حريصاً على أن يكون الإعلام ناقلاً أميناً للحقيقة، ومُعرّياً للزيف، وساعياً إلى البناء لا إلى الهدم. هذا النهج جعله محط تقدير واحترام من قبل الجمهور والنخبة على حد سواء، لأنه أثبت أن الإعلامي يمكن أن يكون قوة إيجابية في المجتمع، يساهم في التوعية والتثقيف، وينشر ثقافة الحوار البناء.
المستوى الثالث: الوفاء للوطن والمليك.. صدق الانتماء وثبات الموقف
أعلى درجات الإخلاص أن يكون الانتماء للوطن والمليك هو البوصلة التي توجه كل قول وفعل. وهذا ما تجلى بوضوح في مسيرة الأستاذ فلاح القيسي. فلم يكن ولاؤه للوطن والملك مجرد شعارات ترفع، بل كان ممارسة يومية، وموقفاً ثابتاً لا يتزعزع. في أحلك الظروف وأصعب اللحظات التي مر بها الأردن، كان صوته هو صوت العقل والثبات، منبراً يدافع عن مقدرات الوطن، ويذود عن وحدته، ويُذكّر بأمجاده. وكان بكل محبة وإجلال، صوتاً يعبر عن مشاعر الأردني�