إنجاز – ليث الفراية يكتب
في عالمٍ تتسابق فيه الثقافات لإبراز هويتها عبر الفنون والموسيقى والمأكولات، يبقى للمنسف الأردني حضور لا يشبه أي حضور؛ فهو ليس طبقًا عابرًا على مائدة، بل تاريخٌ متجذر، وعنوانٌ للكرم، ورمزٌ يختصر حكاية وطن. وبينما ظل المنسف شاهدًا على أصالة الأردنيين، جاء رجل استطاع أن يمنحه بُعدًا جديدًا، وأن يضعه في إطار يليق بمكانته إنه إياد هاني سلمان، الذي لُقّب عن جدارة بـ سفير المنسف الأردني، بعد أن حمل على عاتقه مهمة تعريف الناس، داخل الأردن وخارجه، بهذا الرمز الوطني، وقدّم من خلاله صورة متكاملة عن الأردني الأصيل. إدراك إياد لمعنى المنسف لم يكن تقليديًا. فهو يعلم أن كل مكوّن من هذا الطبق يحمل دلالات عميقة: الجميد عنوان الصلابة المستمدة من البادية، الأرز رمز السخاء والوفرة، واللحم عنوان الشهامة والعزوة. ومن هنا، تعامل مع المنسف بوصفه رسالة حضارية تتجاوز حدود الطهي، وتدخل في عمق الهوية الأردنية. حين يقدّم إياد المنسف في المناسبات الوطنية أو الدولية، لا يقدمه بوصفه طعامًا فقط، بل يقدمه بوصفه وثيقة غير مكتوبة عن الأردن، تختصر في تفاصيلها قيم الكرم والوفاء، وتترجم روح الانتماء التي تميز الأردنيين. اللافت في مسيرة إياد سلمان أنه نجح في تحويل المنسف إلى أداة دبلوماسية ناعمة ففي كل لقاء مع ضيوف عرب أو أجانب، كان المنسف حاضرًا كسفير صامت للأردن. يروي حكاية الأرض والناس، ويترك أثرًا أعمق من أي خطاب رسمي وهذا ما جعل سلمان شخصية محبوبة، لا باعتباره صانعًا للمنسف فحسب، بل لكونه قادرًا على استخدامه لمد جسور التفاهم بين الثقافات. لقب “سفير المنسف الأردني” لم يكن مجرد توصيف إعلامي، بل جاء نتيجة إيمانٍ عميق بأن الأوطان تُعرّف للعالم أحيانًا من خلال تفاصيل بسيطة تحمل في طياتها عظمة كبيرة والمنسف بالنسبة لإياد كان تلك التفاصيل التي أراد أن يحكي بها قصة الأردن . لم يكتفِ إياد بأن يكون حاضرًا في المناسبات الرسمية أو الاحتفالات الكبرى، بل كان دائمًا قريبًا من الناس، حاضرًا في أفراحهم ومناسباتهم الاجتماعية، مشاركًا بكرمه، وناشرًا لروح البهجة أينما حلّ وقد أصبح اسمه مرادفًا للكرم الأردني، لا لكونه يقدم المنسف فحسب، بل لأنه يقدمه بصدق ومحبة. محبة الناس له لم تأتِ من فراغ، بل من حضوره الإنساني البسيط الذي جعل منه شخصية محبوبة ومرغوبة في كل بيت ومجلس. لم تتوقف رسالة إياد عند حدود الوطن، بل حمل المنسف معه إلى الخارج، في زيارات وفعاليات ومناسبات رسمية وغير رسمية. كان المنسف هناك أشبه ببطاقة تعريف بالأردن: بلد الكرم والأصالة. وعبره، استطاع سلمان أن يترك أثرًا لا يُمحى في ذاكرة من تذوقوه لأول مرة. فكانوا يتحدثون عن الأردن من خلال نكهة المنسف، وعن الشعب الأردني من خلال كرم رجل مثله. رغم تمسكه بالأسلوب التقليدي في إعداد المنسف، إلا أن إياد لم يتوقف عن البحث عن طرق جديدة في التقديم والتنظيم، ليحافظ على أصالته وفي الوقت ذاته يجعله مواكبًا للذوق الحديث هذا التوازن بين التراث والتجديد جعل منه شخصية استثنائية، قادرة على أن تخاطب كبار السن الذين يرون في المنسف ذكريات الماضي، والشباب الذين يبحثون عن التجديد دون أن يفرّطوا بجذورهم. إياد لم يكن مجرد اسم ارتبط بطبق شعبي، بل أصبح رمزًا يرتبط بالكرم الذي لا ينضب، والانتماء الذي لا يتغير. عبر المنسف، استطاع أن يقدّم الأردن بصورة تليق به، وأن يحوّل هذا الطبق من وجبة على المائدة إلى رسالة حضارية ودبلوماسية. إنه نموذج حي على أن الهوية يمكن أن تتجسد في تفاصيل الحياة اليومية، وأن رجلاً واحدًا قادر أن يجعل من طبق تراثي عنوانًا وطنياً يرافق الأردن أينما كان.