أمي رحيلها لم يكن موتًا… كان انطفاء العالم بأسره
دكتورة ناديا محمد نصير
عام مضى، وما زلت أستيقظ على وهمِ صوتك يناديني: ناديا، بردانة ماما؟ بدك أشي أكلتي!!
أفتح عيوني على الفراغ… على غيابٍ لا يُحتمل.
كنتِ الأمانَ الذي لا يُكتب، والحنانَ الذي لا يُعوّض، والبيتَ الذي لا يُغلق بابه حتى بعد الرحيل.
في 22/10/2024، عند الساعة الثانية والنصف فجرًا،
فزِعتُ من غفوةٍ لم تتجاوز الساعة، أركض نحوكِ كعادتي لأطمئن…
كانت الأجهزة تعمل، والأضواء تومض، وكأن الحياة ما زالت هناك،
لكن نبضك كان صامتًا…
جسدك بارد، ووجهك ساكن كالسلام،
والأجهزة ما زالت تتنفس عنكِ، بينما قلبك توقّف عن الحياة.
تجمّد كل شيء في تلك اللحظة…
نظرتُ إليكِ، وصرخت:
“ما ضل ماما… خلصت ماما.”
ومنذ تلك الصرخة، لم يعد في الدنيا شيءٌ يشبه الحياة.
ومن يومها، أعيش بين الوهم واليقظة…
أحيانًا أظن أن رحيلكِ مجرد حلمٍ طويل سأستيقظ منه،
وأحيانًا أُقنع نفسي أني سمعت صوتك في الممر، أو رأيت ظلّك يمرّ.
كيف أستوعب أن وجهك الذي كان يضيء حياتي قد غاب إلى الأبد؟
كيف أصدق أن حضنك الذي لجأت إليه ألف مرة… صار ذكرى لا تُلمس؟
رحيلكِ يشبه الحلم السيئ الذي يتكرر كل ليلة،
ولا أملك إلا أن أستيقظ منه لأبكي في الصمت… وأتمنى لو لم أستيقظ أبدًا.
أمي…
من بعدك صار الصبح رماديًا، وصار الليل أطول من احتمالي.
كل ضحكةٍ في وجهي تَخفي خلفها وجعًا، وكل إنجازٍ أُحقّقه ينقصه تصفيقك.
كنتِ تشبهين الوطن في الطمأنينة، وتشبهين الجنة في الدعاء، وتشبهين كل شيءٍ جميل رحل مبكرًا.
رحمكِ الله بقدر ما تمنّيتِ لي الخير، وبقدر ما صبرتِ وابتسمتِ واحتويتِني.
رحمكِ الله بقدر ما تركتِ فيّ من نورٍ لا ينطفئ، وبكاءٍ لا يُقال.
يا أمي،
لم أتعافَ منكِ، ولن أفعل…
فالغياب لا يُشفى منه، بل يُتعلَّم كيف نعيش معه كل يوم بصمتٍ مكسور وابتسامةٍ ناقصة.
كنتِ حضني الآمن في وجه الحياة،
وكنتِ دُعائي المستجاب قبل أن أنطقه،
كنتِ سريّة الله الجميلة في أيامي، فلما استردّكِ الله، سُلبت الطمأنينة من قلبي إلى الأبد.
من بعدك تعلّمت أن الحزن لا يُشفى منه، بل يُسكن فينا كضيفٍ لا يغادر.
تعلمت أن الغياب لا يُعتاد، وأن الأم لا تُعوَّض، وأنّ بعض الفقد يغيّر ملامحنا إلى الأبد.
رحمكِ الله يا أمي،
رحمةً تسكن بها روحكِ الجنة، وتبقى في قلبي وردةً لا تذبل، وعُمقًا لا يُنسى.
سلامٌ لروحكِ التي لم تبرحني يومًا،
وسلامٌ على صورتكِ التي لا تغادر مخيلتي،
وسلامٌ عليّ… كلما اشتدّ بي الحنين إليكِ.
ابنتك التي ما زالت عالقة بين الحلم والرحيل..
ابنتكِ التي لم ولن تتعلم كيف تعيش بدونك ناديا 🤍