
فيصل الشبول
كيف يشعر بنيامين نتنياهو بأنه «في مهمة تاريخية وروحانية لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى عبر ضم أجزاء من الأردن ومصر؟»، وهل هذا الكلام يشكل موقفًا جديدًا لأكبر متطرف صهيوني وأكثر كارهي العرب في العصر الحديث؟ أم هو جراء الحقائق الموضوعية على الأرض بعد إبادته لغزة وعدوانه على لبنان وسوريا وإيران؟ أم بسبب التحول الكبير على صعيد المجتمع الدولي وأفول نجم الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وتفرد الولايات المتحدة بحكم الكرة الأرضية؟
لو كانت تصريحات نتنياهو في غير مثل هذه الظروف، لما اختلفت عن أي فقرة نشرها في كتابه (مكان تحت الشمس) قبل 30 عامًا. لكن كلامه اليوم، وفي مثل هذه الظروف، لا بد أن يُقرأ في سياق مختلف، ولا سيما في ظل الصمت الأمريكي عن جرائمه ضد الإنسانية، بل ورفض اتهامه بها.
قبل استعراض «البيئة» التي خرجت منها تصريحات نتنياهو، أقصد الظروف الإقليمية والدولية وما حققته حكومة الاحتلال على الأرض، لا بد من التوقف عند ثلاثة مواقف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية والحرب الأخيرة:
الموقف الأول، عندما تحدث مرشح الرئاسة الأمريكي ترامب أمام جمهور من ناخبيه عن «مساحة إسرائيل الصغيرة»، وهذا أمر سيئ على حد تعبيره.
أما الموقف الثاني، فخلال لقاء علني بين ترامب ونتنياهو، سأل الرئيس الأمريكي: لماذا سلمت إسرائيل قطاع غزة للفلسطينيين؟ فرد نتنياهو بأنه لم يفعل، بل فعلت حكومة سابقة.
الموقف الثالث هو عروض ترامب لشراء غزة أو احتلالها أو الاستثمار فيها أو جعلها ريفييرا في الشرق الأوسط.
هذه المواقف الثلاثة لها علاقة بتفسير تصريحات نتنياهو التي هي ليست جديدة، بل تكرار لقناعاته المتطرفة منذ عقود.
من كتاب مكان تحت الشمس الصادر عام 1995 يقول: «الأسوأ أنهم يقولون لنا إن الرغبة في أن يكون عرض دولتنا 65 كيلومترًا بدلًا من 15 كيلومترًا تعتبر دليلًا على أن الشعب اليهودي شعب عدواني توسعي». وهو يقصد هنا أن الضفة الغربية تجعل المسافة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط 65 كيلومترًا، أما بدونها فتكون المسافة 15 كيلومترًا.
ألا يفسر هذا «مساحة إسرائيل الصغيرة» التي يراها الرئيس ترامب؟
يكرر نتنياهو في عدة فصول من كتابه أن مرتفعات الجولان ومرتفعات الضفة الغربية خطر دائم على إسرائيل لو تُركت بيد العرب، ولا بد من أن تكون جزءًا من إسرائيل. (الرئيس الأمريكي وقع إبان ولايته الأولى وثيقة للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان).
ويتابع: «ستبقى لليهود دولة يبلغ عرضها 15 كيلومترًا تزدحم مدنها ومستوطناتها على طول شواطئ البحر المتوسط، في حين يظل العرب الذين يقودهم زعماء كارهون لليهود يسيطرون على جبال الضفة الغربية التي تشرف على الدولة برمتها».
أما بشأن غزة فيقول في الكتاب: «كذلك يجب الإسراع في تنفيذ استثمارات اقتصادية من قبل دول مختلفة في غزة نفسها تحت إشراف حريص»، قبل أن يقول إن الشرط الذي لا بد منه لإبعاد خطر الإرهاب القادم من غزة هو إعادة منح حرية العمل للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، بحيث تشمل إمكانيات غير محدودة للعمل الوقائي والمطاردة والاستخبارات التي بدونها لا يمكن محاربة الإرهاب.
في عقل نتنياهو أن «الحركة الصهيونية وإسرائيل قدمت خلال القرن الماضي أربعة تنازلات»: تنازلها عن المطالبة بمياه نهر الليطاني، واقتطاع 80 ٪ من الوطن القومي لليهود وإرغامهم على القبول به، والتنازل عن صحراء سيناء، وأخيرًا تسليم طابا للمصريين.
هذا عن الماضي وعن تأثير عقلية نتنياهو وتياره المتطرف على مراكز صنع القرار في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة.
أما عن تصريحاته الجديدة، فإنه يتحدث بنبرة «المنتصر» الذي استطاع أن يقتل ويدمر ويعتدي من دون أن يوقفه أحد، بل وبإسناد عسكري واقتصادي غير مسبوق.
غير أن نتنياهو يقول في كتابه: «إن تحويل الأردن إلى منطقة مواجهة، بالإضافة إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، يعتبر كابوسًا استراتيجيًا».
في اعتقادي أن هذه الجملة الأخيرة هي جوهر الرد على عقيدة نتنياهو وتطرفه وأوهامه.
صحيح أن الدولة الفلسطينية ليست قائمة، بل ومن الصعوبة بمكان إقامتها في المدى المنظور، بالرغم من الاعتراف العالمي السابق والآتي خلال الشهر المقبل، إلا أن سلاح الديموغرافيا والجغرافيا ووقوف الأردن في قيادة جهود دعم الأشقاء الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم، وكذلك وحدة الموقف الأردني والفلسطيني رسميًا وشعبيًا، وتمتين الجبهة الداخلية، ووحدة وتماسك الشعب الفلسطيني بمن فيهم عرب الداخل وثباتهم على أرضهم، هو السلاح الأقوى في مواجهة نتنياهو وأحلامه اليوم وفي المستقبل.
نتنياهو أكثر تطرفًا من سموترتش وبن غفير، لكنه يرتدي لباسًا مختلفًا، ويكذب من تحت هذا اللباس ويراوغ، يقنع الغرب حتى بالخرافات.
في التاريخ تسبب المتغطرسون اليهود بالكراهية التي مورست ضد ملتهم بالأقوال والأفعال، بالكراهية والحروب في معظم أنحاء العالم. وها هو متغطرس متطرف آخر ينشر الكراهية مجددًا.
المكان تحت الشمس الذي يتوهمه نتنياهو سيرمي به إلى مكانة يستحقها من الدونية والكراهية والعنصرية وراء الشمس، حتى وإن حقق منجزات آنية لن تدوم، لأن الحقوق المشروعة لا تضيع ولن تضيع.