عمران السكران
في زمن الفوضى الإعلامية، حيث صار كل من امتلك هاتفا واتصالا بالإنترنت “مراسل حرب” في غرفة نومه، وقفت نقابة الصحفيين الأردنيين أمام طوفان الادعاءات، قرار منع غير المنتسبين من تغطية الفعاليات الرسمية لم يأت لمصادرة الكلمة، بل ليصنع حاجزا بين حق مقدس ومسؤولية مهنية ثقيلة نعم، حرية التعبير تكفل دستوريا لكل مواطن يكتب رأيا على صفحته، أو يوثق حدثا شاهده بعينيه، لكن الصحافة المهنية ليست حقيبة تحمل دون تأهيل.
وجاء قرار رئيس الوزراء جعفر حسان ليمنح هذا الباب قفلا إضافيا، حين عمم على الوزارات والمؤسسات الرسمية بعدم السماح لغير أعضاء النقابة بتغطية الفعاليات أو حضور اللقاءات الرسمية، استنادا إلى قانون النقابة وقانون المطبوعات والنشر، القرار بدا وكأنه إعلان صريح: “من أراد دخول النادي الصحفي، فليمر عبر الاستقبال الرسمي، لا من نافذة الفيسبوك”.
القرار يذكر الجميع بأن “الصحفي” ليس مجرد لقب يزين حساب فيسبوك، بل هو التزام بالتأكد من صحة الخبر قبل نشره، واحترام خصوصية الضحايا، ومواجهة تبعات الخطأ، أما أنت – أيها المواطن الغيور – فلك أن تكتب ما تشاء على صفحتك: انقد وزل مقاطع الفيديو، كن عين المجتمع الساهرة، فالدستور يحميك، لكن لا تختطف توقيع مهنة لم تخض غمار أخلاقياتها.
لا يطلب منك أحد أن تصمت، اكشف ما تريد حيثما رأيته، ارفع صوتك عاليا في منصاتك، فذلك ليس حقك فحسب، بل واجب وطني، لكن حين تريد دخول المؤتمرات الرسمية، أو إجراء مقابلة باسم “الإعلام”، أو بناء مصداقية جماهيرية على لقب مهني، فاعلم أن للصحافة بابا رسميا، هو باب له مفتاح اسمه: “احتراف، والتزام، وشفافية”.
لا شك أن هذه الخطوة تستحق الإشادة، فهي محاولة لإعادة الانضباط والهيبة لمهنة عريقة كاد أن يغمرها سيل المحتوى العشوائي، فمن حق النقابة أن تحمي اسم المهنة من الانتحال، وأن تصون المصداقية وسط سوق إعلامية صار فيها الخبر الكاذب أرخص من باقة الإنترنت الشهرية.
لكن، وسط التصفيق، يظل السؤال يطل برأسه: ماذا عن حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأردني لكل مواطن؟ هل يصبح من يكتب مقالاً على صفحته الشخصية أو يوثق حدثًا بكاميرا هاتفه مخالفًا للقانون لمجرد أنه لا يحمل بطاقة النقابة؟ وهل يحق لنا أن نعتبر ذلك ضبطًا للمهنة؟
المؤيدون يرون أن الفرق واضح بين الحق في التعبير وممارسة الصحافة كمهنة، فالأولى للجميع، والثانية لها شروطها وضوابطها، بينما يخشى المنتقدون أن تتحول هذه الضوابط إلى أسوار عالية، لا يعلو فوقها إلا أصحاب البطاقات، حتى لو كان بينهم من لم يكتب تحقيقا منذ سنوات، ربما ينجح القرار في ترتيب البيت الصحفي، لكن يبقى السؤال معلقا: هل الصحفي الحقيقي هو صاحب البطاقة، أم أن الصحافة الحقيقية تقاس بقدرة صاحبها على كشف الحقيقة، حتى لو كانت أدواته مجرد هاتف… وحساب على الفيسبوك؟!