
محمد الوشاح
تُعدّ القدس من أقدم المدن المأهولة على سطح الأرض ، وقد حظيت بمكانة دينية وروحية كبيرة لدى أتباع الديانات السماوية ، وهذه المكانة الفريدة جعلت منها مركزاً حضارياً وصراعاً مستمراً على مر العصور ، حيث دارت على أرضها معارك كثيرة تركت بصماتها في صفحات التاريخ الذي تحدث عن قرون من التعايش والنزاع بين الأمم في هذه المدينة ، لذا تعرضت خلال تاريخها الطويل للهجوم وللغزو وللحصار وللتدمير أكثر من مئة وعشرين مرة ، وإعادة البناء بعد تدميرها لمرات عديدة .
كما تعدّ القدس مقصداً سياحياً لغالبية الناس من جميع أنحاء العالم ، بسبب أهميتها الدينية والتاريخية والأثرية ، كونها تضم معالم دينية لأتباع الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية ، ففيها قبة الصخرة والمسجد الأقصى – أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين – وكنيسة القيامة التي يفدها المسيحيون للحج من كل بقاع الأرض وحائط البراق أو المبكى حسب التسمية اليهودية كمقصد ديني ليهود العالم .
والزائر للمسجد الأقصى يتعرف على أبوابه الخمسة عشر ، هذا إضافة الى وجود قبور الأنبياء والمساجد والكنائس في المدينة المقدسة ، كما أن للقدس أهمية اقتصادية كبيرة حيث أن السوق القديم فيها يعتبر مركزاً عالمياً وزاخراً بالمحال التجارية المشهورة والمصنوعات المحلية التي تجذب السياح لشرائها .
ولقد ساهمتْ تلك المعالم في شهرة مدينة القدس بشكل كبير وأكسبتها أهمية عظيمة ، لكنها تعاني في نفس الوقت من التهويد الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي وسماحها للمستوطنين المتطرفين بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم كما حصل مؤخراً في بلدة الطيبة وغيرها .
وتوجد في قلب مدينة القدس أحياء للمسلمين والمسيحيين واليهود والأرمن ، تربطها جميعاً أزقة ضيقة ومتشابكة فيما بينها ، ويعتبر الحي الإسلامي أكبر الأحياء الأربعة في البلدة القديمة ، كما يعد المسجد الأقصى المبارك البالغ مساحته 144 دونما أحد المساجد الثلاثة التي تُشدّ لها الرحال مع الحرمين الشريفين ، ويديره الوقف الاسلامي التابع لوزارة الأوقاف الأردنية ويزوره المسلمون على مدار العام .
وفي داخل الحي المسيحي بالمدينة توجد كنيسة القيامة التي تتمتع بأهمية خاصة لدى المسيحيين في كل أنحاء العالم ، إذ هي واحدة من مقاصد الحج الرئيسة لملايين المسيحيين ، وهي الكنيسة الأم لكافة كنائس العالم وتحتفظ بمفتاحها عائلة الحسيني المؤتمنة عليه بالتوارث منذ عهد صلاح الدين الأيوبي قبل نحو 838 عاماً .
وفي الحي اليهودي يوجد حائط البراق أو حائط المبكى كما يسميه اليهود الذين يعتقدون أنه ما تبقى من هيكل سليمان المزعوم حسب شريعتهم ، مع العلم أن حكمهم الطارئ للقدس ثلاثةٌ وسبعون عاما فقط من عمر المدينة الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة .
لكن السؤال الذي يختلف عليه أهل الإفتاء بعد زيارات سابقة لوفود وشخصيات عربية وإسلامية متكررة لمدينة القدس ، والتي كانت قد أثارت حالة من الجدل الحاد بين مؤيد ومعارض لها ،،، هل زيارة القدس والأماكن المقدسة فيها هي تطبيع أم جهاد لنصرة أهلها ؟ وهو سؤال اختلف الإجابة عليه المسلمون في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي ، وقد لاحظتُ خلال زيارات سابقة للقدس كيف يبتهج أهلها لرؤية أشقائهم الأردنيين والعرب والمسلمين ، وهناك علماء آخرون قالوا إن زيارة القدس والأقصى ليست واجبة بل هي من قبيل السُّنة ويُثاب فاعلها .
وختاماً فإنني أرى من وجهة نظري الخاصة أنه لا حرج من زيارة القدس شريطة أن لا يترتب عليها تطبيع مع الاحتلال ولا إضرار بالقضية الفلسطينية ، بحيث يأتي الزائر الى المدينة المقدسة عبر المكاتب السياحية الفلسطينية أو الأردنية بعيداً عن البرامج الإسرائيلية ، كما أرى بضرورة اهتمام المناهج العربية والإسلامية بالقدس وعروبتها وأن تكون القضية الفلسطينية هي من المفاهيم الأساسية للعديد من المواد الدراسية ، حيث أن الاهتمام بالقدس ومقدساتها أمر مطلوب قانونياً وأخلاقياً وسياسياً وحضارياً لدى كافة الشعوب العربية والإسلامية لتبقى المحرك الأساس لكل الدوافع والحوافز الوطنية والدينية .
