العالم العربي حالة وحدوية واحدة، وهكذا يجب أن يكون، وثورتهم العربية الكبرى المجيدة 1916 استهدفت وحدتهم الشامية أولا ثم العربية ثانيا. كتب سليمان الموسى في مؤلفه “الحركة العربية، سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908- 1924 . ص 3536: “الحركة العربية الحديثة بدأت بداية طبيعية باتجاهها إلى بعث الأمة العربية بعثا قوميا، وأن فهم أحداث الأمس ضروري لفهم قضايا اليوم، وأن الشعوب هي التي تصنع تاريخها بنفسها، وكل شعب يلقي تلك المهمة على عاتق شعب آخر ينتهي إلى الوقوع فريسة في قبضة ذلك الشعب الآخر”. وفي صفحة 695 منه كتب الموسى يقول: “تتمثل الوحدة، وقصَد المنشودة في: العلم الواحد، وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة، والجيش الواحد”. وعمان، عاصمة العرب والسلام، تشترك مع دمشق العروبة تحديدا في مسيرة واحدة لثورة العرب الكبرى، التي انطلقت صوبهما وإلى بغداد من جدة والطائف والمدينة، بعد أن دوت رصاصة شريف العرب وملكهم الحسين بن علي -طيب الله ثراه- مستهدفة محطة الوحدة الأكبر بعد دحر الأمبراطورية العثمانية التي تغلغلت وسط العرب. لكن الإستعمارين الفرنسي والإنجليزي عبر معاهدة سايكس بيكو 1916 ومعهما وعد بلفور 1917 كانو للثورة بالمرصاد، وخلفهما بالعتمة – الصهيونية الماكرة. ولازال العرب خارج وحدتهم يدفعون ثمنا غاليا لتمزقهم وإعادة تموضعهم بين دول استعمارية فرنجية كبرى وغيرها التي هي أقل حجما. وحريّ بي هنا أن أقول: بأننا هنا في الأردن نرفع شعار ثورتنا العربية “الوحدة والحرية والحياة الفضلى”، وفي الجوار السوري شمالا، ترفع شقيقتها دمشق شعارا رديفا “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”. والأردن أولا – شعار تميز وجودة ولم يعني يوما إدارة الظهر للعرب، وميلان مسطرتنا السياسية هنا في الأردن صوب أمريكا لا تعني عزوفنا عن سوريا وروسيا وإيران، وها هي العلاقات الأردنية الروسية متميزة، وتنشط مع إيران حديثا، وجلالة الملك عبد الله الثاني – حفظه الله ورعاه- بعث ببرقية تهنئة للرئيس الإيراني الجديد المنتخب إبراهيم رئيسي مباركا فوزه، ومتمنيا لسيادته التوفيق، ولشعب بلاده مزيدا من التقدم والإزدهار- (عمون . 8 تموز . 2021 ). وهو مؤشر على قرب تطوير العلاقات السياسية والدبلومسية مع طهران بحدود الممكن، وترشيح لعلاقات سياسية ودبلومسية رفيعة المستوى مع دمشق – الجنة الدمشقية كما وصفها الشاعر نزار قباني-، والتي هي من أعرق عواصم العرب والعالم، وهو المطلوب وهو ما نريده فعلا من زاوية المصالح العليا المشتركة، وعلاقة ” الند للند “. وهذا العام 2021 لا يشبه ما قبله من أعوام في العلاقات مع سوريا ومع إيران كما هو متوقع، فلنغتنم الفرصة الذهبية. وموقف الأردن من الأزمة السورية والتي تحولت إلى دموية بعد اندلاعها عام 2011 تزامنا مع موجات الربيع العربي واضح، وانحاز لجانب الشعب السوري ووحدة تراب الوطن السوري، ودفع الثمن غاليا عبر استشهاد الطيار المقاتل البطل معاذ الكساسبة، الذي قضى حرقا وحيا بأيدي عصابة داعش الإرهابية في الرقة السورية شمالا. وتصريح جلالة الملك عبد الله الثاني وقتها لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بقول جلالته لو كنت مكان الأسد لتنحيت من منصبي، ولعملت على ضمان أن تكون لأي شخص يأتي بعده القدرة على تغيير الوضع الراهن الذي نراه. وقصد جلالته من خطابه غير المباشر الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب السوري مباشرة، علما بأن علاقة جلالة الملك عبد الله الثاني مع سيادة الرئيس بشار الأسد بداية كانت متميزة . واستمر الرئيس بشار الأسد في قيادة بلاده سوريا منذ عام 2000 وحتى الآن، وحصل مؤخرا على مانسبته 95.1% من أصوات الناخبين السوريين البالغة هذا العام 2021 (14) مليون مواطن سوري. وفي المقابل، وهو الواجب ذكره هنا، أن صورة سوريا الدولة طيلة الأزمة السورية لم تكن واضحة للعرب، فقوطعت سوريا وأخرجت أو خرجت من الجامعة العربية، وتم تغليف ملامحها بوفوبيا رافقت الفوبيا الروسية بحكم دعم روسيا لها عام 2015 بدعوة رسمية، والمساهمة بقوة بتفكيك سلاح الجيش العربي السوري الكيميائي الخطير بالتعاون مع أمريكا ومجلس الأمن، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران وحزب الله الداعمين للدولة السورية في الميدان مباشرة حتى الآن. وما زاد الطين بلة- هو التدخل الأمريكي في سورية من دون دعوة، ورحيل 80 صنفا من الإرهاب إلى داخلها من دول عديدة بقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي، واستثمار أمريكي واضح لورقة الإرهاب عبر التفريق بين عصابات تنظيم القاعدة من داعش و نصرة، وإطالة أمد الصراع الدموي الدائر هناك خاصة في أقصى الشمال بمحاذات الحدود التركية، وقصف غير مبرر لمطار الشعيرات العسكري في حمص. ونجاح روسي ملاحظ في التعاون مع أمريكا والأردن وتركيا في مناطق خفض التصعيد جنوبا وشمالا، بهدف رعاية اللاجيء السوري، ومنحه فرصة العودة لوطنه طوعا، وهو المطلوب الآن، وتحت رعاية الأمم المتحدة، خاصة بعد تراجع مستوى دعم ملف اللاجئين السوريين ماليا وتركه على نفقة خزينة الدولة الأردنية. وأُذكر هنا بأن 1.3 مليون لاجيء سوري في الأردن تصل تكلفتهم على خزينة الدولة حوالي 10.5 مليار دولار، وحاجة أردنية لصرف 2.4 مليار دولار لرعاية اللاجيء السوري، وهي الخزينة المطالبة بالصرف على قضايا الأردنيين العالقة مثل الفقر والبطالة، وشح وتلوث المياه، والصحراء والتصحر. بينما الفساد أردنيا مراقب على مدار الساعة وتحت السيطرة. أكرر ندائي هنا،، بضرورة رفع مستوى العلاقات الأردنية – السورية لعتبة سياسية جديدة عالية الشأن، ودبلوماسية كذلك لمستوى سفير. ونريد علاقات أردنية مع دمشق الشقيقة بمستوى علاقتنا مع بغداد، ورام الله، وسط المنطقة الشامية، وبمستوى العلاقة مع القاهرة وشمال أفريقيا العربية، وبمستوى العلاقة المتميزة مع دول الجزيرة العربية أيضًا. وأردنيا لدينا مشكلة مائية مع سوريا، فحصتنا المائية لا نستلمها كما يجب وفقا لمعاهدة 1987، وسد الوحدة (المقارن) لم يحل المشكلة، وما يصل للأردن مقداره 206 مليون متر مكعب فقط. وسوريا مطالبة بـ 171 مليون متر مكعب للأردن حسب مقالة هامة للدكتور عاكف الزعبي بتاريخ 13 حزيران 2020. وإسرائيل تسيطر على مياه المنطقة في الجولان وطبريا من جهة أخرى، وترفض إعادة حدودها إلى ما قبل عام 1967 وفقا لقرار الشرعية الدولية الصادر عن الأمم المتحدة رقم 242، وأفشلت مشروع البحرين. د. منذر حدادين في كتابه ( الدبلوماسية على نهر الأردن -تطور النزاع و محاولات التسوية ص 9697 سلط الضوء على قرار مجلس الجامعة العربية رقم 756 بتاريخ 5 نيسان 1945 لإستغلال نهر اليرموك لأغراض الري وتوليد الطاقة الكهربائية، واستغلال نهر الأردن وبحيرة طبريا لنفس الغرض، وبناء سد تخزيني على نهر اليرموك، وقناة في العدسية، وقناة الغور الشرقية، ومحطتين لتوليد الكهرباء لصالح الأردن وسوريا، وتخصيص 330 مليون متر مكعب سنويا للأردن. وبناء سد الحاصباني، وقناة من رافد بانياس. وبالمناسبة فإن إسرائيل هي من أفشلت المشروع النووي السلمي الأردني وبالتعاون مع روسيا. وانتشار المليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله قرب الحدود الأردنية في الجنوب السوري في المقابل، يشكل مصدر قلق أمني دائم للأردن الراغب بحدود آمنة مع سوريا عندما تقود بنفسها معابرها الحدودية معنا. وصحيح أن الأردن وسوريا خطان سياسيان مختلفان يتوزعان بين أمريكا وإيران، لكنهما يشكلان سورية الكبرى مع العراق وفلسطين. وتشكل روسيا الاتحادية جسرا رابطا سياسيا بين دولتينا الشقيقتين والجارتين، والأهم هو الرابط القومي التاريخي الذي يصعب تجاوزه تحت أي ظرف، وفي العمق ثورة عربية واحدة مجيدة. ولاننسى هنا وقفة الأردن عبر لوائه العسكري 40 باسم الجيش العربي الأردني – القوات المسلحة الأردنية الباسلة- الذي قاده اللواء الركن خالد هجهوج المجالي في الجولان عام 1973 في حرب تشرين التحريرية، والمساهمة في تحرير مدينة (القنيطرة) وتقديم شهداء عسكريين أردنيين لمعركتها الباسلة ونصرها الأكيد على اسرائيل. سجل (فلاينت ليفريت) في مؤلفه ” وراثة سوريا – اختبار بشار بالنار ” ص 150 قولا للرئيس بشار الأسد عام 2001 مفاده (ليس من الممكن البدء بأي تطوير سياسي في سورية إلا من خلال المكانة التاريخية لهذا البلد. لقد ذكرت في خطاب توليتي أننا لم نأت لنسف الواقع وإنما لتطويره). وكل الأمل معقودا اليوم على استشراف مستقبل واعد أردني – سوري و عربي شامل. ولا سلام حقيقي نقبل مع اسرائيل من دون عودتها لحدود ما قبل الرابع من حزيران لعام 1967، ومن دون شروط سيادية مسبقة. والجولان ( الهضبة العربية السورية ) جزء لا يتجزأ من العمق العربي الواحد، ولا خيار نقبل لإخوتنا الفلسطينيين أقل من حل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، مع ضمان حق العودة أولاً ثم التعويض ثانيا.