
الدكتور عثمان الطاهات
اعتمدت اسرائيل منذ نشأتها على استراتيجية الردع وترسيخ مقولة الجيش الذي لا يقهر من اجل ردع الجيوش العربية، وقد نجحت دولة الكيان في تسويق تلك الفكرة لمدة طويلة من الزمن حتى جاءت عملية طوفان الاقصى التي وضعت قواعد جديدة في الصراع مع اسرائيل.
بعد عملية طوفان الاقصى سقطت الكثير من الاستراتيجيات التي كانت تعتمد عليها الدولة العبرية مثل استراتيجية الجيش الذي لا يقهر والجيش الاكثر اخلاقية في العالم والجيش الذي يحقق النصر بأيام معدودة على خصومه والتفوق التكنولوجي لجيش الاحتلال ويد المساد الطويلة في العالم من خلال قدرته على جمع المعلومات الاستخبارية من كل دول العالم.
حطمت عملية طوفان الاقصى كل تلك المقولات حيث تمكنت المقاومة الفلسطينية من اختراق الحدود الاسرائيلية بكل سهولة وحصلت على معلومات استخبارية وأمنية ذهبية ونقلتها الى غزة، وتمكنت من الاجهاز على اكثر من نصف فرقة غزة الاسرائيلية في غلاف غزة، كما نجحت المقاومة الفلسطينية خلال الحرب البرية الاسرائيلية على قطاع غزة من تهشيم الجيش الذي كان لا يقهر وادخلته في حرب استنزاف خطيرة علاوة على تداعيات الحرب على القطاعات الاسرائيلية الاخرى الاقتصادية والسياحية والزراعية اضافة الى الانقسامات الحادة في المجتمع الاسرائيلي بسبب الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيش الاحتلال في قطاع غزة.
بعد ان تيقنت الحكومة الاسرائيلية ان كل الاستراتيجيات التي اوجدتها منذ عقود من الزمن قد سقطت تماما في عملية طوفان الاقصى بدأت العمل على ايجاد استراتيجية جديدة لردع كل من يفكر في الاعتداء على الدولة الاسرائيلية وتمثلت في عملية التدمير الشامل للخصوم كما تقوم به اسرائيل في قطاع غزة من خلال التدمير الممنهج لكل القطاعات التي تمثل شريان الحياة في غزة مثل المستشفيات والمؤسسات التعليمية وشبكات المياه والكهرباء والمساكن وتجريف الشوارع والطرقات وقتل اكبر قدر ممكن من الفلسطينيين عبر تنفيذ المجازر البشعة والابادة الجماعية امام كل دول العالم وخاصة الدول الغربية التي كانت تتغنى يوميا بأهمية حماية حقوق الانسان.
وأول بوادر تنفيذ هذه الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة، توجيه المسؤولين الاسرائيليين تهديدهم للبنان بمصير قطاع غزة في حال توسع حزب الله في الاعتداء على اسرائيل كما اكد مسؤولون اسرائيليون مرات عديدة عبر تصريحاتهم للاعلام بأن أية دولة تفكر في الاعتداء على الدولة العبرية سيكون مصيرها كمصير قطاع غزة.
وبناء على ما سبق فان الدول التي تعتمد على مثل هذه الاستراتيجيات فانها تكون في اضعف مراحلها لأن كل معايير قوة الدولة لديها تتراجع ولا تستطيع ان تحدث اثرا كبيرا في علاقاتها الدولية وخاصة مع خصومها كما هو حاصل الآن في الدولة العبرية.