
رمزي الغزوي
لا شيء يترك أثره في وجه الأرض وذاكرتها مثل الحريق. فوبسعك إن مررت بعجلون أن تقرأ بتحسر عشرات النيران التي تعاقبت على شحمة المكان، وشوّهت ثوبه الأخضر، وهتّكته وتركته بقعا سوداء غثة للبال.
ستقرأ أشجار اللزاب الماثلة جثثا صارخة. وستقرأ أشجار القيقب والملول المتفحمة تقف كمشنقة، فيما السواد لا يتكسر إلا على السواد.
لم تعد تفاجئنا، من بضع سنوات، حرائق عجلون التي يشعلها بدم بارد أعداء الحياة، وتجار الكروب، والمنتقمون من الجمال، أمام سمع وبصر وتراخي الجهات المعنية. لم تعد تفاجئنا الحرائق حتى لو وصلت شغاف القلوب، مرةً إثر مرة، ليس لأن رماد الحرائق القديمة ما زال يكمم أنفاسنا، ولا لأن دماء الأشجار صارت تسفح كل يوم بمناشير مافيات التحطب وتجار الفحم ولصوص الحياة، دون أن تنتفض فينا خلية، أو تهتزُّ لنا شعرة.
لم نعد نتفاجأ بحرائقنا المتعمدة هنا وهناك في غابات ستؤول إلى الصحراء في بضع سنوات؛ وكأن مؤامرة ذات خيوط تهدف عازمة إلى (تشليح) عجلون ثوبها الأخضر، حتى آخر شجرة عبهر أو بلوط.
نعتز بأننا في بلد لا يقبل أن تقيّد فيه جريمة ضد مجهول، ونفتخر بسرعة القبض على كل من أراد أن ينفذ بجريمته، ونجلبه للعدالة وفعلته طازجة خضراء. ولهذا نستهجن بغضب وحزن: كيف للمجرمين الذين تتكرر جرائمهم بحرق غابات عجلون في كل عام، واغتصاب مستقبلنا وحياتنا أن يبقوا طلقاء خارج قبضة العدالة، يضحكون من بعيد، لا يفكرون إلا بمزيد من الحرائق والغنائم؟!، كيف نعجز عن الأخذ على يدهم وإيقافهم والنيل منهم؟. ولماذا حينما يصلوا إلى القضاء لا تغلظ عليهم العقوبة، ولا ينظر إليهم كمجرمي قتلة بل يخرجوا منها كشعرة من عجين. نستهجن صمتنا المقيت بكل ما فيه من خنوع واستكانة. أليست الشجرة أختاً وأماً وعشيقة؟.
نحن في حرب شعواء تشن ضد ما تبقى لنا من غصن أخضر في بلادنا، وكأننا في نستكثر ان يكون لنا غابات لا تشكل إلا أقل من واحد بالمائة من مساحة بلادنا الصفراء.
أرجو أن تطرقوا معي جدران الخزان. فالمناشير المجنزرة والنيران الفاتكة لمافيات التحطيب تتأمر على رئتنا الوحيدة، ولا شيء يحركها إلا الجشع والتجارة الحرام، فهم ليسوا فقراء، كما يعتقد البعض. بل هم مجرمون، وقد أثروا من تجارتهم هذه، هم مجرمون يحاربوننا في تنفسنا وشهيقنا.
أرجو من الأصدقاء المساهمة في تعميم هذه الصرخة