
د تحسين منصور
في عصر لم تعد فيه التخصصات المعرفية مُنعزلة، تُقدّم أبحاث د. تحسين منصور نموذجًا عربيًا فريدًا لـ”الإعلام متعدد الحقول”، حيث يدمج بين التحليل اللغوي، والذكاء الاصطناعي، وعلم النفس الاجتماعي، ليفكّك إشكاليات مُعقدة مثل الهوية الرقمية وإدارة السمعة. هذه القراءة تُسلّط الضوء على سبعة محاور جوهرية في أعماله، مع ربطها بسياقات محلية وعالمية.
1- الإعلام الرقمي كأداة لإعادة تشكيل السمعة:-
أبرز ما يميز مشروع أ.د تحسين منصور في عام 2025، هو الوعي العميق بالطبيعة التفاعلية للإعلام الرقمي. ففي دراسته “الإعلام الرقمي والانزياحات اللغوية”، يحلل أثر المنصات الرقمية على اللغة الجامعية في الأردن، كاشفًا كيف تُعيد اللغة الرقمية إنتاج الهوية الأكاديمية والثقافية، بما ينعكس على صورة المؤسسات التعليمية وسمعتها الاتصالية. هذا المنظور يربط بين علم اللغة الاجتماعي والإعلام الرقمي وإدارة السمعة.
وفي دراسات سابقة، مثل بحثه المشترك (2020) عن “اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات”، تناول كيف أصبحت هذه المنصات أدوات استراتيجية لبناء الثقة، وهو ما تؤكده البيانات العالمية التي تفيد بأن 85% من المستخدمين يثقون بالتقييمات الرقمية بقدر ثقتهم بالتوصيات الشخصية.
2- الإعلام الحضري والسياحة الرقمية:
في دراسة أخرى حديثة بعنوان “الصورة الذهنية لمدينة جرش عبر عدسة كيفن لينش”(2025)، يربط د. منصور بين الإعلام البصري والتخطيط الحضري والهوية السياحية. تقدم الدراسة نموذجًا بينيًا فريدًا يجمع علم النفس الإدراكي، والتحليل البصري، والدراسات السياحية، وتُظهر كيف يمكن للإعلام أن يُعيد تشكيل تجربة الزائر والسمعة الرمزية للمدينة.
3- الإعلام الصحي والذكاء الاصطناعي:
في دراسة بينية متميزة بعنوان “تحليل عوامل تبنّي الأطباء الأردنيين للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية”،(2025) يدمج منصور علوم الاتصال الصحي، ونظرية تبني التكنولوجيا، والإدارة الطبية. تُظهر النتائج أن الإعلام الرقمي في القطاع الصحي لم يعد وسيلة تواصل فحسب، بل أصبح عنصرًا من عناصر بناء السمعة المهنية، ما يستدعي تطوير استراتيجيات اتصالية مهنية قائمة على التكنولوجيا.
4- السلوك الرقمي للمراهقين:
أما في دراسته المعنونة بـ”التطبيقات الرقمية كوسيط اتصالي”(2025)، فيُحلل تأثير المنصات الرقمية على التكوين الاجتماعي والسلوكي للمراهقين. تستند الدراسة إلى منهج بيني يجمع بين علم النفس التنموي وتحليل المحتوى الرقمي، وتسلط الضوء على الإعلام كبيئة تشكيل اجتماعي وثقافي، بما يفتح آفاقًا جديدة في العلاقات العامة المجتمعية وممارسات المسؤولية الرقمية.
5- الإعلان والهوية المؤسسية
في دراسته الحديثة “التأثير الرقمي والهوية الثقافية لشركات البناء”،(2025) يعالج منصور العلاقة بين الإعلان الرقمي والهوية الاجتماعية من منظور بيني يجمع الاتصال المؤسسي بالدراسات الثقافية. تتناول الدراسة كيف تؤثر الإعلانات المصممة رقميًا في تشكيل الانطباعات الجماهيرية، وخلق صورة ذهنية مستدامة للمؤسسات في بيئة تنافسية رقمية.
6- الذكاء الاصطناعي في التسويق والعلاقات العامة:
وفي دراسته بعنوان: تبني المسوقين الرقميين للذكاء الاصطناعي في شركات البناء الأردنية: دراسة في إطار نظرية (UTAUT) (2025) يعتمد تحسين منصور على نموذج UTAUT (نظرية توحيد تقبل التكنولوجيا) لبحث تبنّي المسوّقين الرقميين للذكاء الاصطناعي. الدراسة تجمع بين علم النفس التكنولوجي، وتحليل السلوك المهني، واستراتيجيات الاتصال المؤسسي، ما يُقدّم نموذجًا متقدمًا للعلاقات العامة في القطاعات الصناعية.
7- رؤية بحثية متعددة الأبعاد:
لا تقف أبحاث د. تحسين منصور عند حدود التقنية أو الاتصال، بل تمتد إلى البعد الاجتماعي. ففي دراسته “دور الشبكات الاجتماعية في تلبية احتياجات الشباب الجامعي”، يتناول الإعلام الرقمي بوصفه فضاءً لبناء التماسك المجتمعي وتعزيز المواطنة الرقمية. هذا الطرح ينسجم مع مبادرات خليجية متزايدة تعتمد على التحليل السلوكي في الحملات التوعوية، مثل تلك التي تحارب الاحتيال المالي عبر وسائل الإعلام التفاعلية.
وفي الختام لا بدّ من الإشارة والتعريج على المعرفة البينية كمسار للمستقبل، فعام 2025 يُمثّل ذروة الحصاد في مشروع د. تحسين منصور البحثي، حيث يقدّم خارطة معرفية جديدة تعيد تعريف العلاقات العامة من كونها وظيفة إعلامية إلى كونها علمًا تطبيقيًا متعدد الأبعاد. استطاعت هذه الدراسات أن تكشف عن الإمكانات الكامنة للإعلام الرقمي في إدارة السمعة، وتحليل السلوك، وتعزيز الهوية، والتفاعل المجتمعي.
لقد أثبتت أبحاثه أنّ تكامل التكنولوجيا مع العلوم الإنسانية والاجتماعية ليس مجرد خيار، بل هو شرط لفهم وتحسين الاتصال المؤسسي والمجتمعي في عالم متحوّل. إنها دعوة مفتوحة للباحثين والممارسين لإعادة التفكير في الإعلام، ليس فقط كأداة نشر، بل كبيئة إنتاج للثقة، والانتماء، والتأثير.
والسؤال المطروح هنا هل يُمكن أن يصبح الإعلام الرقمي في العالم العربي أداةً لتعزيز الهوية بدلًا من تفكيكها؟!
– محمّد ساري ، كاتب وصحفي.
مسؤول الإعلام والمحتوى الرقمي في اتحاد المرأة الأردنية.