
فارس الحباشنة
من أسوأ الحقائق وألعنها أن ينجر مئات آلاف من المتابعين على السوشيال ميديا في متابعة والاهتمام ومطاردة «بلوغر»، تنتج «ترند» ومحتوى غرائزيا مثيرا لافتا، وتسوق إلى الانحطاط والوهم، وتختلق هوية جنسية مزيفة.
والمفاجأة أن البلوغر ليست فتاة كما تدّعي، بل إنها رجل متنكر في صورة أنثى. ويطارد غرائز المتابعين ويحصد ملايين الإعجابات والمشاهدات، ويجمع أرباحًا.
منصات مفتوحة للابتذال والسخافة، ولمحتوى غرائزي، وألفاظ سوقية ومنحطة، وخدش للحياء العام، وإفساد للذوق العام.
والمشكلة أن البلوغر يتحدث في قضايا التعليم والمدارس، والمعلمين، ويوجه انتقادات بلغة منحطة ودونية. ولا تتخيلوا أن مختلق هوية جنسية مزيفة يوجه الرأي العام، ويحرض أولياء الأمور والطلاب على المعلمين والمنظومة التعليمية في الأردن. والأخطر من ذلك أن فيديوهات البلوغر المشبوهة تتحول إلى ترند ويتم تداولها من باب الوعظ والاعتبار النقدي.
وأعرف معدّي برامج على شاشات تلفزيون وإذاعات انشغلوا في متابعة البلوغر، والبحث عنه، ودعوته إلى الاستضافة والحوار حول قضايا اجتماعية وتعليمية.
مشكلة كبيرة، أن أغلب المنشغلين في الإعلام المرئي والمسموع يطاردون أوهام وأشباح الترند، وهم لا يقلون خطرًا عن البلوغر المزيف جنسيًا، ولا يعرفون الأصول والمعايير المهنية للإعلام والنشر الرقمي والمرئي والمسموع.
وأغلب نجوم الشاشات والإذاعات يظنون أن وظيفة الإعلام مطاردة الترند، وليس العكس؛ تهذيب وتنقيح وتنقية وعي الجمهور من تشوهات الترند، وأمراض السوشيال ميديا.
أخطر ما في الموضوع أن سخافة ومهازل السوشيال ميديا تُسوّق على أنها حرية تعبير، بينما تُغلق منصات التواصل أمام الإبداع والأفكار الجادة والرصينة، والمسؤولة والناقدة.
«البلوغر» لا أدري إن تم ضبطها أم أنها اختفت، وتوارت عن الأنظار، وارتدت أقنعة أخرى لتظهر أمام الجمهور في هوية جديدة.
وسواء تم ضبطها أم لا، القضية أنها عرّت واقعًا، واقعًا مزيفًا، وواقعًا يربي أجيالًا على أن الشهرة تنتج من الابتذال والتفاهة، لا قيم الإبداع والاجتهاد والعلم والفن الراقي. والسؤال المطروح أعمق وأبعد بمسافات من «قضية بلوغر» مزيف جنسيًا وناشطة سوشيال ميديا، فالفضاء الرقمي ينتج أسبوعيًا عشرات النسخ، بل إنه ينتج كل يوم.
متى ندرك أن استباحة المجتمع عبر منصات وشاشات السوشيال ميديا أشد خطرًا من تهديدات نتنياهو ووعود إسرائيل الكبرى، وأخطر من القضية الاقتصادية؟