د. محمد كامل القرعان
كل عام، نرى مشهدًا يتكرر في الأردن: آلاف الخريجين يحتفلون بارتداء قبعات التخرج، يبتسمون للصور، ويستلمون شهاداتهم بفخر. لكن بعد أسابيع قليلة، تتبدد هذه الفرحة على أبواب البحث عن عمل. فجأة، يتحول الحلم الأكاديمي إلى واقع قاسٍ: طوابير بطالة، فرص معدومة، وتخصصات لا تجد طريقًا إلى السوق.
هل يعقل أن تظل الجامعات تفتح أبواب القبول في تخصصات مشبعة منذ سنوات؟ وأين التخطيط الاستراتيجي الذي يربط بين ما ندرّسه في القاعات وما يحتاجه سوق العمل؟ يبدو أننا ما زلنا نتعامل مع التعليم الجامعي كهدف بحد ذاته، لا كوسيلة لصناعة مستقبل حقيقي للشباب.
وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي مطالَبة اليوم بجرأة القرار، ووزارة العمل مطالَبة بأن تكون لاعبًا أساسيًا لا مجرد متفرج. لا يكفي إطلاق مبادرات تدريبية محدودة هنا وهناك. نحن بحاجة إلى سياسة وطنية متكاملة، توقف نزيف الوقت والمال والطاقات، وتخلق فرص عمل حقيقية في قطاعات قادرة على استيعاب خريجينا.
المؤلم أن التعليم الجامعي في الأردن يُباع للشباب كـ”تذكرة ذهبية” للمستقبل، بينما الواقع يثبت أنه في كثير من الأحيان تذكرة باتجاه واحد نحو البطالة أو العمل في وظائف لا تمت للتخصص بصلة. هذه الفجوة بين الحلم والواقع تهدد بتحويل الإحباط إلى ظاهرة عامة، وربما إلى هجرة متزايدة للعقول والكفاءات.
هذه ليست مشكلة فردية، بل قضية وطنية تمس الأمن الاقتصادي والاجتماعي. إذا كنا جادين في حماية مستقبل شبابنا، فعلينا أن نعيد النظر في سياسات القبول الجامعي، ونربط التعليم بسوق العمل، ونوجه الاستثمار إلى القطاعات الإنتاجية.
فإلى متى سيظل شبابنا يدفعون ثمن التخطيط العشوائي؟ وإلى متى سيبقى التعليم الجامعي في الأردن تذكرة بلا مستقبل؟
سبق لجلالة الملك عبد الله الثاني أن نبه إلى خطورة بطالة الشباب على مستقبل المملكة، داعيًا الحكومات المتعاقبة في خطاب العرش إلى “تحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وجعل الأداء الحكومي أولوية وطنية لا تهاون فيها.
كما كرّس صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبد الله اهتمامه بقضايا الشباب، مؤكِّدًا عند لقائه الناشطين عام 2022 أن “محاربة بطالة الشباب أولوية وطنية”، وأنه يجب “تشجيع التحاق الشباب بالتدريب المهني والتقني لتلبية حاجات سوق العمل.
هذه التصريحات الملكية ليست شعارات بل مسارات عمل. فما الجدوى من شهادات بمئات الدنانير إذا بقي حاملها بلا وظيفة؟ الجامعات تواصل القبول دون اعتبارات سوقية، ووزارة العمل تكتفي بمبادرات هامشية لا تُجدّ في تقليل واقع العاطلين.
إلى متى سيبقى “التعليم الجامعي” تذكرة دون وجهة؟ علينا أن نرسم مخرجات جامعية مدروسة، وأن نربطها بحاجات الاقتصاد الوطني، وأن نوجّه الاستثمارات نحو الوظائف التي تستقبل الطاقات المحلية.
حديث جلالة الملك وتوجيهاته للحكومات المتعاقية ، يؤكد ضرورة ربط الأداء الحكومي بالنتائج الاقتصادية والاجتماعية، ويضع التوظيف على رأس أولويات الإصلاح. وكلمة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني حول التعليم التقني تعكس رؤية متكاملة، ترمي إلى ربط التعليم بسوق العمل.
فهل سنبقى نتفرج، أم سنحمل هذه الكلمات الملكية ونجعل منها دعوة فعالة للتغيير؟