
عبد الرحمن الجيوسي
في مشهد يعيد للأذهان المعاني الحقيقية للأخوة، تحركت المملكة الأردنية الهاشمية وحدها، دون انتظار دعوة ولا تسليط أضواء إعلامية، لترسل كوادرها وآلياتها من الدفاع المدني، وتشارك ميدانياً في إطفاء النيران المشتعلة في غابات وأراضي الجمهورية العربية السورية، منذ أحد عشر يومًا ولا تزال مشتعلة حتى اللحظة.
لم يكن عبور رجال الدفاع المدني الأردني الحدود عملاً إغاثياً عادياً، بل موقفاً أخلاقياً وإنسانياً أصيلاً، نابعاً من إيمان عميق بأن التضامن الحقيقي لا يُقاس بالكلمات ولا بالتصريحات، بل بالفعل وقت الشدائد.
لقد جسّد الأردن فعلياً مفهوم “الجسد الواحد”، حين امتدت يده لإطفاء لهيب الشقيقة دون منّة أو مقابل، فقط لأنه يؤمن أن من لا يقف مع أخيه في المحن، لن يقف أحد معه حين تشتد عليه الدنيا.
في المقابل يغيب الحضور العربي الجماعي، لا طائرات، لا كوادر، لا دعم ميداني، لا شيء سوى بيانات باردة وتغريدات جوفاء.
أين باقي الدول العربية من هذا المشهد المشتعل؟ أين هي منظومة الدفاع المدني العربية، و”الروابط الأخوية” التي نسمع عنها في المؤتمرات؟! أين وزارات الداخلية التي تفتخر دوماً بجاهزيتها، لكنها تغيب حين تكون المساعدة خارج حدودها.
والمفارقة المؤلمة أن الجميع لطالما انتظر لحظة تعافي سوريا، وعودة وجهها العربي الجميل إلى الواجهة، تمنّينا أن نراها تزدهر وتستعيد مكانتها في الحضن العربي الكبير، لكن حين اشتعلت النيران في أرضها وجبالها، وقف العرب يراقبون بصمت، وكأنّ الأمل الذي تغنّينا به طويلاً لم يكن سوى شعارات للاستهلاك الموسمي… فهل كانت عودة سوريا مجرد عنوان، أم التزام أخلاقي فعلي.
هل أصبحت سوريا خارج حسابات “الأمن القومي العربي”؟ هل باتت النكبات تمر على الجغرافيا العربية ولا توقظ أحدًا؟ كيف نحافظ على شعار “العرب جسد واحد” بينما يد هذا الجسد تحترق، والعين لا تدمع، والقدم لا تتحرك .
أردن النشامى لم يخذل النخوة ولم يكتفِ بالفرجة، أما الآخرون، فعليهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم، فربما احترقت معهم بعض القيم في صمتهم … وربما سقطت الشام سهواً من خرائطهم.