
د. ذيب القرالة
بعد اسبوع من الآن، يُفترض ان يحط الرئيس احمد الشرع ،رحاله في واشنطن، في زيارة هامة و ( مفصلية) هي الاولى لرئيس سوري لعاصمة ( العم سام) التي بيدها ( شئنا ام أبينا ) مفاتيح ( الحل والربط والتركيب ) باعتبارها عاصمة القرار الدولي الاولى،في ظل غياب ( تعدد الاقطاب).
الزيارة غير المسبوقة، من شأنها ان تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، وتنقل دمشق الى المحور الامريكي ، بعد اكثر من خمسين عاما من الارتماء في حضن ( المرحوم) المحور الشرقي، الذي بدأت ملامح بث الحياة فيه تظهر من جديد ، انطلاقا من نافذة ( البريكس ) وجغرافيا ( شنغهاي).
اجندة الزيارة فيها محوران الاول ( معلن )وسيتضمن التوقيع على ( اتفاقيات ) مثل انضمام دمشق الى التحالف الدولي لمحاربة داعش ، والبحث في تفاصيل الاتفاق الامني مع اسرائيل، اما المحور الثاني ( السرًي ) فهو سيشتمل على ( تفاهمات ) لا يعلم سرها ( الراسخون في العلم ) وانما ترامب والشرع والدائرة المقربة منهما.
التوقعات تشير الى ان هذه التفاهمات ستتمحور حول الدور الذي من الممكن ان تلعبه دمشق في الاقليم، والذي – ربما – سيكون من ضمنه الاستعانة بالخزان البشري للمقاتلين الاجانب والتنظيمات الجهادية في سوريا، في اي مواجهة قادمة ، سواء كانت مع حزب الله في لبنان، او مع قوات الحشد الشعبي والفصائل المتحالفة معها في العراق، في حال استدعت الحاجة ذلك.
مستقبل الشرع السياسي كرئيس لسوريا بعد انتهاء فترة المرحلة الانتقالية، سيكون ايضا من ضمن هذه التفاهمات، اذ ان الدعم الامريكي المقدم للشرع لغاية الان هو ( دعم مشروط) بامرين الاول تحقيق المصالح الامريكية ، وحفظ امن اسرائيل ، والثاني نسيان فكرة ( الجهادية والاسلمة ) واشراك المكونات السورية الاخرى في الحكم واستيعابها بطريقة او باخرى، وترسيخ الاستقرار في سوريا ٠
واللافت انه لغاية الان ، ورغم الدعم الامريكي الواضح المُقدم للشرع، فان هناك مرجعيات في واشنطن وتل ابيب،لا زالت تنظر الى الشرع بعين الريبة والشك،وتتساءل هل تغيّر ( الشرع ) فكريا بصورة فعلية ، أم أنه ( سياسي – براغماتي – بارع ) ويمارس ( خداعا استراتيجيا عميقا ) ؟ معتقدين أن منح الشرعية الكاملة له ،قد يمثل سابقة خطيرة تشجع حركات متطرفة أخرى على انتهاج العنف وسيلة للوصول إلى الحكم ثم العمل على نيل الاعتراف الدولي لاحقا.
ويتمحور مستقبل الشرع السياسي بعد انتهاء الفترة الانتقالية،ضمن خيارين الاول بان يعيد الشرع تأهيل نفسه دوليًا ،وتتحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد، بما يسمح بإجراء انتخابات رئاسية حقيقية تحت إشراف دولي، ينجح فيها الشرع اعتمادا على شعبيته الحقيقية بين السوريين ، الذين يراه بعضهم قائدًا فذا ومحررا ومنتصرًا ، فيما تراه بعض المكونات الاخرى نسخة ( مُعدلة ) من النظام الاقصائي – الاسدي السابق.
الخيار الثاني ،هو ان تتشكل قناعة دولية – إقليمية ،بأن بقاء الشرع على رأس السلطة بعد المرحلة الانتقالية، أمر مرفوض ،خاصة إذا تبين أنه لم يتغير جوهريًا وظل يمارس حكمًا سلطويا، ولم ينجح في لجم التيار المتشدد في نظامه ، وهنا تضغط واشنطن وعواصم أخرى ،لإبعاد الشرع عن الحُكم بهدوء ، وتدعم شخصية سنية معتدلة، او شخصية تحظى بمكانة دولية او بتأييد تيار واسع من المعارضة.
والسؤال المنطقي المطروح في بعض مراكز التفكير هو ، هل سيستسلم الشرع في حال قررت امريكا وحلفاؤها التخلي عنه ، والجواب يؤكد ان الشرع مُحارب عنيد، ولن يستسلم بسهولة، وإخراجه من المعادلة لن يكون سهلا ، بل ان كلفته عالية جدا ،إذ يمتلك الرجل أوراق قوة داخلية،متمثلة بتنظيمه المسلح جيدًا، وخارجية عبر تحالفات اقليمية وازنة ، مما يمكنه من احباط أي تغيير مستقبلي ، لا يكون هو وتياره جزءًا فاعلا فيه.
وبعد ما يقارب العام من حُكم الرئيس الشرع ، لا زالت وجهات النظر بشأنه مختلفة ، فالبعض يراه فرصة تاريخية لإنهاء ازمة سوريا المُركبة ،فيما يعتبره آخرون تهديدًا كامنًا قد ينفجر لاحقًا،وما سيحدث في الشهور القليلة القادمة – بدءًا من نتائج زيارة واشنطن – سيحدد أي النظرتين هي الاقرب والأصوب.
لذلك فان سوريا لغاية اليوم لا زالت تقف على مفترق طرق خطير، إما أن تستكمل تحولها نحو دولة مستقرة بكل تنوعها تحت قيادة قادرة على التطور والتكيّف، أو تنزلق مجددًا نحو صراع على السلطة، إذا شعر أحد أطراف المعادلة ،بأنه سيخرج خاسرًا ، وما من ضمانات مؤكدة لاحد في منطقة مليئة بالمفاجآت والتقلبات.
