
د. خالد عمر الفاروق
في العام 1989م ربما جاء الكيزان (مصطلح الاسلاميين في السودان) بفكرة المحافظة على مكتسبات قوانين سبتمبر 1983م (الشريعة الإسلامية) و لكن فريقهم التنفيذي قام ذلك بلفظ هذه المكتسبات جملة و تقصيلا مع الإبقاء على الشعارات التي أدت إلى إدخال البلاد في العزلة الدولية حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
في العام 2019 إصطفت الأحزاب التي تصنف إصطلاحا بأنها أحزاب يسارية مع بعض الأحزاب التي تصنف بأنها يمينة من ناحية أيدلوجية لإقتلاع النظام الكيزاني وفق التوجهات الفكريةمع العلم بأن احزاب اليمين التي لحقت بهذا الإصطفاف كان محركها الدافع هو الإنتقام بعد إزالة حكم السيدين.
بالنظر لداخل مكونات إصطفاف 2019: فإننا نجد الحزب الشيوعي الذي لا يؤمن بالتعددية الحزبية إذ انه حزب فكرته تقوم على الشمولية. فكيق يغير ابجدياته السياسية للدخول في هكذا تحالفات ؟ في الواقع الحالي و بالنظر لسياسات مجلس الوزراء فإننا نجد أن سياسته تتجه نحو الإقتصاد الحر و هذا ربما يصطدم مع أدبيات الإقتصاد الماركسي خصوصا في ظل تنامي الحركات العمالية النقابية، إذ لا تعارض لكن تتبقى ان النقابات تبطئ عجلة النظام الرأسمالي . مع العلم بأن روسيا تخلت عن الماركسية و الصين في طريقها كذلك.
حزب البعث العربي و الحزب الناصري: هذه أحزاب قامت في الستيتنات أيام مانشيتات الكفاح العربي ، فكيف لها أن تتبلور فكريا مع دولة ذات جغرافيا إفريقية و ثقافة موزايكية (أي متنوعة و خليط) و خصوصا أن أعداد غفيرة من الشعب السوداني يريدون الخروج من جامعة الدول العربية . ف كيف تتسنى لهذه الأحزاب التعايش مع هذا الوضع ؟ أم هي فعليا مثل أحزاب الفكة في عهد الكيزان؟
الحزب السوداني مثله مثل المؤتمر الشعبي ايام الكيزان ، أفراده هم الذين قاموا بإنقلاب 1989 و هم الذين اتوا بالبشير و زمرته في المناصب القيادية . لكن هولاء الاخيرين مارسوا سياسات العقوق تجاههم (اللجوء للميكافيلية) ، مما اثروا الابتعاد عن السلطة و تكوين مؤتمر شعبي في عام 1999 (اللجوء لمبدأ ابن خلدون في السياسة). الحزب السوداني و قيادته الاولى التي كانت تعمل مع النظام الكيزاني جعلت هذه شائبة تغض مضجعه وعدم تقبل المجتمع السوداني له، لكن بممارسة الديمقراطية من داخله و انتخاب رئيس جديد ، قدم الحزب نفسه كأنموذجا بأنه حزب محايد فكريا مقدم برنامج تنمويا و ديمقراطيا الفكر ليس كالأحزاب التي لا تتغير ثيادتها إلا بالموت. لكن موقفه الحالي كموقف الشعبي من الكيزان بعد مرحلة 1999م ، فقد اثر الابتعاد عن السلطة و الإستعداد للانتخابات.
تظل أدبيات و أفكار المدارس السياسية و الدينية في السودان تصطدم بالواقع دوما ، و لا أدري لماذا ؟
– ربما واحدة من الأسباب : أن كل حزب أو رأس حزب يعتبر نفسه أنه المفكر الوحيد و الباقيين رعاع من خلفه كما في قوله تعالى عن فرعون: ((مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)) .
– و من الأسباب أن طبيعة كثير من سكان السودان : البيئة الرعوية و التي في كنهها عدم الإستقرار بعكس طبيعة الزراعة التي تفضل الإستقرار.
ربما يعتبر البعض بأن هذه التناقضات هي تمرين ديمقراطي و إعادة لياقة فكرية و تهيؤ الشعب لمرحلة الديمقراطية القادمة ، لكن يظل التخوف هو اسير الموقف . فإن لم تتفق هذه المكونات السياسية في أسرع وقت ربما تلجأ قوة مدنية بتحريك بيادق العسكر لإستلام الحكم كما فعلت الاحزاب ب عبود ضد الأزهري ، و الشيوعيين ب نميري ضد الأحزاب ، و الكيزان ب البشير ضد الأحزاب.
و الله الموفق