
د. رهام المومني
في كل الحروب المتفجرة داخل حدود معينة ، إرتدادات نفسية ومعنوية تتجاوز الحدود وقد تمتد لعقود طويلة إذا لم نتبع إستراتيجيات سليمة لتجاوزها أو التعافي من آثارها.
فالآثار النفسية للحروب تظهر بشكل كبير على الأطفال، وهنا أتكلم عن هؤلاء الذين لا يسمعون صوت القنابل ولا يعيشون وسط الدمار، هؤلاء قد يستيقظون من صدى صورها أو من صافرات الإنذار التحذيرية لعدم التواجد في الأماكن العامة المفتوحة خوفا من وقوع شظايا في الجو.
هؤلاء الأطفال لا مشاهد واضحة لديهم، لكنهم يسمعون ويرون ويحللون ما يحصل أمامهم من أحداث وخاصة داخل أسرهم، وما يشاهدونه على شاشات التلفاز من صور الدمار والفقد وما يرونه في أعين أهاليهم من إحباط وقلق، فيستشعرون بالخوف من خوف الام التي لم تفقد جسد أبنائها لكن قد تفقدهم نفسيا خوفا وقلقا من الأسوأ وإنتقال عدوى الحرب وعدم الأمان.
الأطفال يفهمون ويدركون تماما ما يحصل حولهم، ويشعرون بتغير نبرة صوت أهاليهم عندما يطرحون الأسئلة وتكون الإجابات غير كافية وغير مقنعه بحجة الخوف عليهم من الصدمة والفقد، فهذا الطفل عندما يذهب لمدرسته ويجد زميله محبط ولا يتحدث وعيونه مليئة بحزن وحرب لم يعيشها، وقلق وعدم أمان تبدأ هذه العدوى العاطفية بالتفشي مما يؤثر سلبيا عليه بعدم التركيز وإنعدام الأمان وضياع الهدف والرؤيه .
عندما يلتقي بأطفال هربوا من الفوضى وعدم الأمان وجلبوا معهم القصص والتجارب المؤلمة والأحزان والمآسي التي تعجز الكلمات عن وصفها أو سردها تصبح هذه القصص الحقيقية مشاعر تدخل قلوبهم دون إستئذان وإلى مجتمعاتنا دون سابق إنذار وخاصة إذا كنا نتشارك نفس اللغة والثقافة وحتى الدين.
وتبدأ الهشاشة تتسلل أسرنا، ويبدا التوتر غير المباشر والحذر الشديد والبحث عن بدائل للراحة مؤقته دون معالجة الوجع الرئيسي والسبب .
سيناريوهات جديدة تلوح بالافق وخوف مما هو قادم غير مؤكد يؤثر على الأداء المجتمعي بشكل عام وتصبح موجة طاقة سلبية موجهة نحو الخوف بإنشغال المجتمع فقط بالمراقبة والقلق وضعف التركيز على النمو الإقتصادي والإبداع لأن جميع من يعمل ، يحمل معه ضغط غير منطوق : ماذا لو امتدت الحرب إلينا؟
وتتوقف الحركة العمرانية والإقتصادية وتضعف القوة الشرائية ويسود الخوف من البيع والشراء ويبدأ الركود بالاستفحال، فالمستثمر يخاف من الخسارة والمحتكرين لبعض السلع يبدأوا بتخزينها وبيعها بسعر أعلى، وأصحاب رؤوس الأموال يشترون بأسعار محروقة وإستغلال لضعف الوضع الإقتصادي للناس مما يعني فشل عام وإنعكاس سلبي على الوضع الإقتصادي والإجتماعي والنفسي لكل الفئات.
الحرب ليست رصاصا فقط، بل هي مرض يسيطر على الفكر فيرهقه ويتوقف عن التفكير، وفكرة تنتقل من عين إلى أخرى ومن قلب إلى قلب كإنتشار النار بالهشيم.
نحن لا نُقتل بالسلاح ، بل بالخوف المزمن ونقل الأخبار الكاذبة من مصادر غير موثوقة وليست صاحبه إختصاص، ومن عدم الإيمان بالله.
نحن لا نُقتل بالسلاح ، نُقتل بالجهل ونقتل أمالنا ومستقبل أبنائنا ومستقبلنا عندما لا نحمي صحتهم النفسية ولا نوعيهم ونرشدهم إلى ما يجب فهي ضرورة ووجود وليست رفاهيه .