
ينال البرماوي
الصرخة المدوية التي أطلقها جلالة الملك مخاطبًا العالم من خلال أعلى منبر أممي «إلى متى؟» تصف معاناة شعب اغتُصبت أرضه وشُرّد ويتم التنكيل به في أطول احتلال وكارثة يشهدها العصر الحديث، وسط عجز دولي عن وضع حد لها وإنهاء ومحاسبة الكيان المحتل على جرائمه المتوالية في قطاع غزة والضفة الغربية.
ما أراده الملك في تساؤله يعني أن على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية، وأن يتخذ خطوات فاعلة ونافذة لوقف جرائم الاحتلال ووقف فوري لعدوانه على غزة، وإقامة الدولة الفلسطينية، وإحلال السلام، فالادانات والشجب لم ولن تجدي نفعًا، وهذا هو الدور الذي يفترض أن تكون عليه الأمم المتحدة بحيث تكون قراراتها ملزمة وليست شكلية وتعبيرية.
كما أن الملك أراد التحذير مجددًا من مخاطر تداعيات استمرار العنجهية الإسرائيلية وعدوانها على غزة وتهديداتها للقدس والأقصى ودول المنطقة، وليس ببعيد أن يتسع نطاق الصراع الذي لن تكون أي دولة في منأى عنه.
اليوم، ماذا يمكن أن تفعل عصبة الأمم المتحدة لإجبار الكيان المحتل حاليًا على الأقل على إعادة فتح معبر الكرامة لاستئناف إيصال المساعدات إلى قطاع غزة؟ يواجه الأشقاء الفلسطينيون هناك كافة أشكال الإجرام من أعمال عسكرية فاقت ما شهدته الحربان العالميتان الأولى والثانية وتجويع ممنهج، إذ يقترب عدد الشهداء بسبب ما تفتك به الآلة العسكرية الصهيونية.
إغلاق معبر الكرامة من الجانب الآخر أمام حركة الأفراد والشحن والمساعدات الإغاثية ردًا على الانتصار السياسي والاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل عدة بلدان، والإدانة العالمية غير المسبوقة للكيان المحتل على جرائمه يعد إحدى صور غطرسة نتنياهو وحكومته المتطرفة وتماديها على القانون الدولي والإنساني، وانعكاسًا لرفضها للسلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
وليس أذل من الصورة المهينة التي بدا عليها الكيان من خروج عدد كبير من وفود الدول العربية والأوروبية أثناء إلقاء نتنياهو كلمته في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ما تزال للأسف عاجزة عن إيقاف الجرائم التي ترتكب يوميًا بحق غزة وتدمير مبادئ الإنسانية والمواثيق الدولية.
الأردن بوابة الإغاثة الرئيسية لغزة والضفة الغربية، والجهد الذي يبذل لتأمين وإيصال المساعدات إلى الأشقاء في القطاع لا تجاريه أية دولة انطلاقًا من عوامل المبادرة والقدرات اللوجستية والخبرات التراكمية في التعامل مع المعونات الإنسانية.
برنامج الأغذية العالمي أكد أن الأردن يواصل أداء دور محوري في إيصال المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة ضمن جهود دولية لتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة هناك. منذ استئناف قوافل الإغاثة إلى غزة في حزيران 2025، نجح البرنامج بالتعاون مع الحكومة الأردنية وفريق الخدمات اللوجستية في إيصال قرابة 10,735 طنًا من المواد الغذائية عبر 629 شاحنة، وأن شهر آب وحده شهد إدخال 5,545 طنًا من الأغذية عبر 307 شاحنات، إضافة إلى المساعدات الضخمة التي يقدمها الأردن بشكل مباشر في كافة المجالات الصحية والغذائية والإغاثية.
وتأتي هذه الجهود حسب البرنامج ضمن الدور التنسيقي الذي تلعبه الأردن في تسهيل مرور القوافل الإغاثية عبر أراضيه باتجاه القطاع لضمان تدفق الإمدادات الغذائية الأساسية لقطاع غزة.
إغلاق المعبر يزيد معاناة أهالي غزة ويرفع شهداء الجوع وزيادة تفشي الأمراض وعلى الأمم المتحدة أن تمارس دورها الحقيقي المطلوب لإعادة فتح المعبر ووقف العدوان ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، حتى يكون للهيئة الأممية هيبتها وسلطتها في حل قضايا العالم والصراعات، لا أن تبقى محفلاً للاجتماعات الخاوية من جدواها وعدم إلزامية مقرراتها.