
د.خالد الشقران
تتصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل منذ انطلاقتها في 13 حزيران 2025، حيث شنت إسرائيل أكثر من 1100 غارة جوية استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، بينما ردت إيران بإطلاق 400 صاروخ باليستي وأكثر من 1000 طائرة مسيرة نحو أهداف إسرائيلية، ما أسفر عن مقتل 430 إيرانيا و25 إسرائيليا وفقاً للبيانات الرسمية.
تظل احتمالات التصعيد مفتوحة، خاصة مع استهداف إسرائيل المتكرر للمواقع النووية الإيرانية، مثل ضربات نطنز وأصفهان التي تضررت فيها ورشة لتصنيع أجهزة الطرد المركزي، وفقاً لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد عدم وجود تسرب إشعاعي بسبب غياب المواد النووية في الموقع، وقد حذرت طهران من أن أي تدخل أمريكي مباشر سيفتح باب «حرب شاملة» تشمل استهداف المصالح الأمريكية في الخليج والسفن الحربية، بينما يلوح في الأفق سيناريو إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران أو حلفائها الحوثيين، ما يهدد بارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية وتغذية صراعات إقليمية مثل الحرب الأوكرانية.
الموقف الأمريكي يتسم بالترقب الحذر، فبينما أشاد الرئيس ترامب بالضربات الإسرائيلية ووصفها بـ«الممتازة»، فقد نفى نية واشنطن المشاركة المباشرة في القتال أو إرسال قوات برية، مشيراً إلى رغبته في تجنب «المستنقعات» العسكرية كالعراق وأفغانستان، لكن واشنطن بدأت تحركات استعدادية، مثل نقل ست قاذفات «بي-2» إلى قاعدة غوام في المحيط الهادئ، وهي طائرات تحمل ذخائر قادرة على اختراق التحصينات العميقة للمنشآت النووية الإيرانية مثل «فوردو» باستخدام قنابل «جي بي يو-57». وقد حدد ترامب مهلة أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن ضربة محتملة، مع إشارته إلى أن القرار قد يتسارع، اما بالنسبة للعوامل الاخرى التي قد تجر أمريكا إلى الحرب فتشمل هجوماً إيرانياً على مصالحها في الخليج، أو اختراقاً خطيراً للدفاعات الإسرائيلية، أو حاجة إسرائيل لقدرات أمريكية لضرب منشآت نووية محصنة تحت الأرض.
مستقبل البرنامج النووي الإيراني يظل محوراً للصراع، خاصة بعد أن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تمتلك 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كافية لصنع 10 قنابل نووية، مع قدرة تقنية على رفع التخصيب إلى 90% خلال أسبوع، ورغم تأكيد الرئيس الإيراني بيزشكيان رفض بلاده خفض التخصيب إلى الصفر «تحت أي ظرف»، فإن الضربات الإسرائيلية على منشآت مثل نطنز وأصفهان أخرت – بحسب التقديرات الإسرائيلية–قدرة طهران على تطوير سلاح نووي بـ«سنتين أو ثلاث سنوات»، لكن تدمير البرنامج بالكامل يبدو مستحيلاً دون تدخل أمريكي مباشر، خاصة مع وجود منشآت تحت الأرض مثل «فوردو» التي يصعب اختراقها.
المفاوضات تواجه شبه جمود، فجهود الوساطة الاوروبية والتركية السرية باءت بالفشل بعد عجز اسطنبول عن تأمين موافقة المرشد الإيراني خامنئي على لقاء مع مسؤولين أمريكيين، وفي جنيف، حثّ وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي نظيرهم الإيراني عباس عراقجي على إحياء المفاوضات النووية مع واشنطن، لكنه رفض استئناف الحوار حتى توقف إسرائيل ضرباتها، واصفاً الموقف الأمريكي بـ«الخيانة للدبلوماسية»، هذا التعنت يأتي رغم تحذيرات دولية، مثل تحذير الصين من «دوامة انتقام» قد تؤدي لحرب إقليمية، ونصيحة بريطانيا للبنان بالبقاء خارج الصراع، اما التداعيات الإقليمية فهي تتسع أيضاً، فالحوثيون هددوا باستهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر إذا تدخلت واشنطن، بينما أكد دبلوماسي روسي سابق أن موسكو لديها «تحالف استراتيجي» مع طهران رغم عدم إعلان دعمها علناً.
المشهد برمته يبقى معلقاً بين حلقة من الضربات والاستنزاف المتبادلة ومخاوف من انزلاق غير محسوب نحو حرب شاملة، لكن مخاطر امتدادها تلوح في الأفق، وفي حين يحاول ترامب الموازنة بين ضغوط إسرائيل لـ«إسقاط النظام الإيراني» – وهو هدف غير معلن لواشنطن – وخوفه من حرب طويلة الأمد، يبقى مستقبل البرنامج النووي الإيراني رهنا بقدرة ايران على الصمود وتوجيه ضربات موجعة أكثر لإسرائيل وربما الاعلان عن امتلاك القنبلة النووية في ظل التسريبات التي تشي باحتمالية اجراء ايران لتجارب نووية قد يكون دليلها الزلزال الذي اعلن عن حدوثه في ايران يوم الجمعة الماضية بقوة (5٫1)، أو إجبار طهران على التفاوض تحت وطأة الخسائر المتصاعدة ونجاح الضربات بشل منشآتها، وفي خضم هذه الحسابات تبقى التكلفة حتى الآن مروّعة؛ دماء مدنية، بنى تحتية مدمرة، واقتصاد عالمي على حافة الهاوية، بينما يترقب العالم لحظة الحسم التي قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط إلى الأبد.