
د. سبأ السكر
كانت كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني، في خطاب العرش السامي بافتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة، إيذانًا بانتقال الدولة الأردنية إلى مرحلة جديدة لا تحتمل التأجيل، عندما أكد أن “التحديث ليس خيارًا بل واجبًا… وزمن التردد انتهى”. هذه العبارة الجوهرية تضع على عاتق كل مؤسسة وكل مواطن مسؤولية وطنية مباشرة، وفي طليعة هذه المسؤولية يقف الشباب الذين يمثلون القوة الحقيقية لإنجاح مسارات الإصلاح الشامل.
فالرؤية الملكية لطالما آمنت بأن الشباب هم طاقة الحاضر والمستقبل، وهو ما تجسد في دعم متواصل ليس فقط من جلالة الملك، بل ومن ولي العهد، سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي يمثل داعمًا وقائدًا لمبادرات الشباب التنموية والريادية، هذا الدعم الهاشمي المستمر يؤسس لشراكة جيلية ضرورية لضمان أن تكون الإصلاحات مبنية على وعي واحتياجات الجيل الجديد.
وقد جاءت مخرجات منظومة التحديث السياسي لتترجم هذه الرؤية إلى إطار عملي وتشريعي، حيث كان الهدف الأساسي هو الانتقال من العمل النيابي الفردي إلى العمل المؤسسي بواسطة الأحزاب البرامجية الوطنية الفاعلة. في هذا السياق، يبرز الدور المحوري للشباب، الذين يمثلون الكتلة الأكبر في المجتمع، ليكونوا هم القوة الدافعة والرافعة الديموغرافية لعملية التحديث. الشباب، بطبيعتهم الأكثر استعدادًا لتبني التغيير، هم القادرون على الانخراط بفعالية في الأحزاب القائمة على برامج واضحة بعيدًا عن التنافس على أساس الهويات الفرعية، إذ ان انخراطهم هذا هو الاستجابة العملية لإنهاء “زمن التردد”، فهم يقودون اليوم عملية التحول نحو ديمقراطية حزبية برامجية فاعلة.
وتظهر بصمة الجيل الجديد اليوم واضحة في الحياة السياسية، بدءًا من الهياكل الحزبية وصولًا إلى مجلس النواب نفسه، فبفضل قانون الانتخاب الجديد الذي خصص مقاعد للقوائم الحزبية، تزداد نسبة تمثيل الشباب في البرلمان تدريجيًا، ليصبحوا شريكًا فاعلًا ومؤثرًا، لا يقتصر دورهم على العدد، بل على نوعية مساهمتهم؛ فالأعضاء الشباب يتميزون بجرأة أكبر في طرح القضايا الوطنية، والمطالبة بإصلاحات حقيقية وملموسة في قطاعات الخِدْمَات الأساسية كـالتعليم، والصحة، والنقل، التي شدد عليها خطاب العرش. كما أنهم يقودون صياغة البرامج الحزبية التي تواكب التحديات الاقتصادية الجديدة القائمة على التكنولوجيا والريادة، مما يضمن للأحزاب قاعدة شعبية متجددة وفعالة.
إن عبارة جلالة الملك بأن “التحديث ليس خيارًا بل واجبًا” هي في جوهرها دعوة صريحة للشباب الأردني لتولي دفة القيادة في مختلف الميادين. فالمستقبل الذي يبنيه الأردن هو مستقبلهم، ويقع على عاتقهم اليوم أن يكونوا الرد العملي على هذه المقولة الملكية، وذلك بتحويل الرؤى إلى إنجازات ملموسة. لم يعد الوقت وقت انتظار أو تردد، بل وقت عمل وعزيمة، وعلى الشباب الأردني أن يثبت أنه فعلًا بوصلة الأردن نحو التقدم والازدهار في زمن التحولات الكبرى.
