
زيد ابوزيد
النظام السياسي الذي نريد؟
شكله ومضمونه
إنجاز – بقلم زيد أبوزيد
الديمقراطية كلمة ومصطلح مجرد ولكنها في مضمونها تعبر عن حلم داعب خيال الشعراء والمفكرين كثيرا لأنها تجسد مفاهيم الحرية عمليا، وهي في نماذجها العديدة ليست وثناً يُعبد كما يروج البعض لأن الجميع يدعيها ويعتبر نموذجه مثالا وتعبيرا لها، ولكنها في جوهرها وسيلة لضمان الوصول إلى الحرية الثقافية والروحية والسياسية والاجتماعية، وبذلك فإن ما لا يضمن ذلك لا يمكن أن يسمى ديمقراطية، أما النظم الديمقراطية فهي ما تقبل بمبدأ التعددية السياسية ضمن نظريات التمثيل الشعبي المعروفة في المدرستين الليبرالية والشمولية وما بينهما من أشكال متنوعة ، ولكن الحقيقية المطلقة أن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطته ولنفسه وعبر الشكل الذي يقرره في إطار عالم تسوده العدالة والمساواة وتحكمه القيم.
واذا كانت الديمقراطية تقول أن الحكم فيها للشعب، فقد تعددت النظم السياسية التي تقول بذلك، وإن كان بينها خصائص مشتركة، واستناداً إلى ذلك فمن الخطأ إذن تعريف الديمقراطية بأنها النظام الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو غيرها من الدول الغربية كما يحاول البعض الترويج له، وعليه يكون من حقنا أن نختار ما يحقق المبادئ والقيم السياسية المناسب لهويتنا وواقعنا وبما يحقق الحرية للإنسان كجزء من المجتمع الموحد الهوية والسلطة، وهذا ما يحدده شكل الديمقراطية كمصدر للقوة للفرد والمجتمع.
و لأن الديمقراطية منهج حقيقي للتغيير، وطريق صائب يبقي النظام السياسي متماسكًا وقادراً على التعاطي مع المستجدات، وعاملاً حيوياً للعطاء المستمر ، وإذا كانت سلطة الشعب و حكمه ليست قياساً على ذلك الممارسة العملية في جعل الشعب يختار ممثليه في البرلمان عبر ما يسمى بالانتخابات، وتعيين نوع الحكم واختيار من يحكم وخضوع الأقلية لرأي الأغلبية، لأن هذا لا يحقق احترام حرية الرأي والتعبير والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية بين المواطنين من مختلف القوميات والأعراق والأديان والطوائف، فالديمقراطية الحقيقية أن يجلس الشعب فعلاً على كرسي السلطة، وما عدا ذلك وهم.
إن الديمقراطية التي نريدها ضمن هذا المنهج النقدي ، هي الديمقراطية التي تضمن العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة وتبتعد عن العنصرية والاقليمية والفئوية، وبذلك تكون شكلاً متقدماً من أشكال الممارسة السياسية و الاجتماعية، وتعبير عن التطور الحضاري والثقافي للمجتمع، وهي لا تقوم على مبدأ تقديس الأفراد، أو تقديس سلطتهم ، وأحقية هذا أو ذاك بالحكم دون غيره، بل هي تقيم وزنا فقط للمؤسسية المتمثلة بالسلطة النيابية ، وأداتها في الحكم القابلة للتجدد والتطور، والكفاءة والقدرة على تمثيل مصالح الشعب ، وهي الأساس الذي يتمكن فيه الأفراد من ممارسة حقهم في السلطة تشريعاً ،وتنفيذاً ، و قضاءًا دون أي فصل قسري.
وهنالك أشكال متعددة من الهياكل السياسية المنبثقة عن النظم السياسية الليبرالية التقليدية ، يسميها البعض ديمقراطيات ، ولكن الديمقراطية الحقيقية هي التي توفر كل الحقوق وليس بعضها، كما توفر الحريات السياسية والمدنية للشعب، وما دمنا نتحدث عن تغيير في المفاهيم ، فلا بد للمجتمع الساعي نحو الديمقراطية التي نتحدث عنها من نظرية تغيير جديدة تحدد له الطريق الذي يحقق فيه الديمقراطية المنشودة، وتشكل نظرية التغيير أساسًا للعمل الديمقراطي حيث لا تغيير حقيقي بلا نظرية ومنظرين.
والتغيير الجذري مرتبط بالتخطيط الاستراتيجي الذي يمس جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وينتقل بها مرة واحدة نحو الهيكل الجديد الذي ينسجم والحرية الحقيقية وتشبع فيه الحاجات وتتحقق الديمقراطية بأبهى صورها ،فالأمر يتعلق بتغيير المجتمع، وتغيير المفاهيم وشكل الأنشطة السياسية والاقتصادية ، لأن التغيير ليست عملاً مؤقتاً بل صيرورة للحركة الشعبية في التاريخ، وهذا يتطلب من الجماهير الوعي واليقظة المستمرة، وعدم التغافل والتسليم بالمفاهيم الرجعية ، والتسلح بفقه علمي يلغي المنهج التلفيقي والنماذج المشوهة .
إن الديمقراطية الليبرالية المتبعة في العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية ، والتي اقتطعت أجزاء منها وطبقت بشكل أكثر تشويهاً في العديد من دول العالم النامي، تحقق فقط مصالح الأطراف الأقوى اقتصاديًا في المجتمع، ويتجلى ذلك بشكل واضح وجلي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ،حيث يمثل البرلمان مصالح الرأسماليين وكبار الملاك والصناعيين ومدراء الشركات الكبرى ، ولا تحقق مصالح الشعب فعليًا.
من هنا فنحن نبحث عن نموذجنا الديمقراطي الاردني الخاص بعيدًا عن نماذجهم فقد أثبتت ألازمة المالية العالمية المرتبطة بجائحة كورونا وازمة العقارات الكبرى قبل ذلك بعقود وأزمات الأسواق المالية والنفط عدم قدرة الأنظمة الرأسمالية على الاستمرار اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا بشكل سلسل ، وأنها لا بد أن تتبع وسائل تحايلية لتتمكن من الصمود المؤقت إلى حين التمكن من وضع استراتيجيات جديدة، ولكن هذا يدعو العالم النامي إلى التنبه لخطورة ذلك على إقتصادياتها مما يتطلب منا البحث عن نموذجنا الخاص من أجل التغيير السلمي نحو الأفضل.
وهنا نجد أنه من الضروري تحديد السمة الرئيسة التي تميز فكر جلالة الملك عندما تحدث عن إعادة ضبط العولمة وأنسنة العولمة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتصبح المجتمعات أكثر تكاملًا ومنعة وانصافًا، ، فما يميّز فكر جلالة الملك هو احترامه المطلق للإنسان ، ولقيمه الدينية والثقافية والتراثية ، وفي ذلك تأكيد على إنسانيتها وديمقراطيتها ، لأن القواعد الطبيعية هي المقياس والمرجع والمصدر الوحيد في العلاقات الإنسانية ، وهنا فإن حديث الملك عبدالله الثاني عن هذه القواعد سيقود إلى شبكة أمان عالمية في ظل نظام ديمقراطي إنساني عالمي يعزز حاجات الأفراد ويستثمر في قدرات الفرد والمجتمع معًا ويقود حراك للتحقيق السلام في المنطقة والعالم لتحقيق العدالة وتغييب الظلم، نحن باختصار أمام ربيع عالمي جديد فرضته ظروف غير استثنائية على المنطقة والعالم.