
رندا حتاملة
نواقيس الموت تشير إلى فعل الحياة في نقصه وهبائيته، اللحظة المعجونة بالحسرة والدموع والشوق والخوف، ميلاد حياة أخرى، ويتأمل الإنسان ساعتها بني جنسه، يرى انسحاب بعضه إلى غيب لا يردّ على السؤال ولا البكاء، الأكفان والنعوش والتوابيت والمقابر وأصداء الفقد هي أدوات كل حفلة نهائية تبدأ بها حياة أخرى.
على ضفاف وادي الحياة نتأمل القادم، نحمل في أيدينا كؤوس الموت وننتظر أقدارنا، يقول بعضنا ما الحياة إلا المعنى والفكرة والحضور، وينسى بعضنا الآخر أنّ الرحلة قصيرة، أقصر من طرفة عين، ويرتدّ بعضنا إلى النسيان، في غمرة الحياة ننسى الموت والأموات، وبدل أن يدفننا تراب القبور، ندفن نحن المقابر داخلنا، كأننا نقول لأنفسنا ليس بعد.
يموت الإنسان بسبب سكتة الحياة، بالمجاعات، بالحروب، بالأوبئة، ويموت بلا سبب، ذلك أنّ الموت لا يأتي متأخراً أبداً، عابرٌ للقارات يحمل كرت بلانش، يأتي في كل شيء وفي أي وقت ومن أية ناحية، يهجم بالمرض ويناور بالشيخوخة ويبرق في الطفولة ويشتعل في الكوارث الطبيعية، ليذكّر الإنسان بصغره وعجزه وتفاهته وقلة تجربته وقصر طريقه في حياة لا تكاد تدلّ عليه ، ويتساوى فيه أصحاب السعادة وعلية القوم مع البسطاء والمعدمين ، في رمزية عميقة تدلل على أن الموت يجعلنا متساويين ليس في الحياة وإنما في القبر.
كأنّ الموت يقول للكائن لن أترك منك غير بقاياك، رميم العظام وصوت التراب وبعض الحكايا، كالحصان يموت ويبقى سرجه وكذلك الإنسان معظم ممتلكاته سواء النفيسة أو الرخيصة هي أطول عمراً منه.
ففي كل صباح نستيقظ لنجد الموت قد خطّ جملته على باب، ووسّع دائرته في مقبرة، وأنتج أكله من حيّ، نقول بأعين دامعة إنا لله وإنا إليه راجعون بدلاً عن صباح الخير.
في كل لفتة يتجلّى الموت في أعين الفاقدين، يدور في المستشفيات وبين الحواري وعلى الجسور وفي قلب الطرقات يطير في السماء ويسبح في الماء ويهتز في الرّيح ويناجي الصغار ويربّت على الكبار، الموت منشغل الخطوات بترتيب المقابر وغرس أكبر قدر ممكن من القبور.
لكن أيضا، بعض الموت راحة، وفيه شفاء من سقم الحياة وعطلها وتعبها ومرضها، الموت رحمة ودواء، نهاية قفلة حياة لا تجد لنفسها أيّ مبرّر لكي تتواصل، يقظة من غفلة الحياة هي، واتصال بالحقيقة الكليّة، الحقيقة الوحيدة التي لايمكن أن ختلف عليها والتي نظل نشعر أنها بعيدة رغم أن الموت يقف خلف الأكتاف مباشرة لا خلف الجبال وأن كان يبدو بعيداً كالشمس المشرقة من خلف الجبال لانقوى على التحديق بها وكذلك هو الموت.
نبكي في الموت لأنه مشكلتنا، الموت مشكلة الأحياء كما يقول الشاعر الكبير محمود درويش، الأموات لا يأبهون، لا يتلفتون إلى حسرة الأحياء، لا يعرفون ما خلّفوا وراءهم .
لكننا في النهاية ننصاع للموت، نرهف السمع لصوته في موت أحبائنا، نذرف الدموع اعترافا له بتفوقه ووجوده، نطيع حضوره بقداسة مفعمة بالحزن، لا نهرب منه، نلاقيه بخيرنا وشرّنا، بقوتنا وعجزنا، بكبرنا وصغرنا، بفرحنا وحزننا، بعافيتنا ومرضنا، لندخل معه وفيه التجربة العظيمة، ونسكن مثل أسلافنا بعجز الغياب الذي لا رجعة منه .نواقيس الموت تشير إلى فعل الحياة في نقصه وهبائيته، اللحظة المعجونة بالحسرة والدموع والشوق والخوف، ميلاد حياة أخرى، ويتأمل الإنسان ساعتها بني جنسه، يرى انسحاب بعضه إلى غيب لا يردّ على السؤال ولا البكاء، الأكفان والنعوش والتوابيت والمقابر وأصداء الفقد هي أدوات كل حفلة نهائية تبدأ بها حياة أخرى.
على ضفاف وادي الحياة نتأمل القادم، نحمل في أيدينا كؤوس الموت وننتظر أقدارنا، يقول بعضنا ما الحياة إلا المعنى والفكرة والحضور، وينسى بعضنا الآخر أنّ الرحلة قصيرة، أقصر من طرفة عين، ويرتدّ بعضنا إلى النسيان، في غمرة الحياة ننسى الموت والأموات، وبدل أن يدفننا تراب القبور، ندفن نحن المقابر داخلنا، كأننا نقول لأنفسنا ليس بعد.
يموت الإنسان بسبب سكتة الحياة، بالمجاعات، بالحروب، بالأوبئة، ويموت بلا سبب، ذلك أنّ الموت لا يأتي متأخراً أبداً، عابرٌ للقارات يحمل كرت بلانش، يأتي في كل شيء وفي أي وقت ومن أية ناحية، يهجم بالمرض ويناور بالشيخوخة ويبرق في الطفولة ويشتعل في الكوارث الطبيعية، ليذكّر الإنسان بصغره وعجزه وتفاهته وقلة تجربته وقصر طريقه في حياة لا تكاد تدلّ عليه ، ويتساوى فيه أصحاب السعادة وعلية القوم مع البسطاء والمعدمين ، في رمزية عميقة تدلل على أن الموت يجعلنا متساويين ليس في الحياة وإنما في القبر.
كأنّ الموت يقول للكائن لن أترك منك غير بقاياك، رميم العظام وصوت التراب وبعض الحكايا، كالحصان يموت ويبقى سرجه وكذلك الإنسان معظم ممتلكاته سواء النفيسة أو الرخيصة هي أطول عمراً منه.
ففي كل صباح نستيقظ لنجد الموت قد خطّ جملته على باب، ووسّع دائرته في مقبرة، وأنتج أكله من حيّ، نقول بأعين دامعة إنا لله وإنا إليه راجعون بدلاً عن صباح الخير.
في كل لفتة يتجلّى الموت في أعين الفاقدين، يدور في المستشفيات وبين الحواري وعلى الجسور وفي قلب الطرقات يطير في السماء ويسبح في الماء ويهتز في الرّيح ويناجي الصغار ويربّت على الكبار، الموت منشغل الخطوات بترتيب المقابر وغرس أكبر قدر ممكن من القبور.
لكن أيضا، بعض الموت راحة، وفيه شفاء من سقم الحياة وعطلها وتعبها ومرضها، الموت رحمة ودواء، نهاية قفلة حياة لا تجد لنفسها أيّ مبرّر لكي تتواصل، يقظة من غفلة الحياة هي، واتصال بالحقيقة الكليّة، الحقيقة الوحيدة التي لايمكن أن ختلف عليها والتي نظل نشعر أنها بعيدة رغم أن الموت يقف خلف الأكتاف مباشرة لا خلف الجبال وأن كان يبدو بعيداً كالشمس المشرقة من خلف الجبال لانقوى على التحديق بها وكذلك هو الموت.
نبكي في الموت لأنه مشكلتنا، الموت مشكلة الأحياء كما يقول الشاعر الكبير محمود درويش، الأموات لا يأبهون، لا يتلفتون إلى حسرة الأحياء، لا يعرفون ما خلّفوا وراءهم .
لكننا في النهاية ننصاع للموت، نرهف السمع لصوته في موت أحبائنا، نذرف الدموع اعترافا له بتفوقه ووجوده، نطيع حضوره بقداسة مفعمة بالحزن، لا نهرب منه، نلاقيه بخيرنا وشرّنا، بقوتنا وعجزنا، بكبرنا وصغرنا، بفرحنا وحزننا، بعافيتنا ومرضنا، لندخل معه وفيه التجربة العظيمة، ونسكن مثل أسلافنا بعجز الغياب الذي لا رجعة منه .