
د.صلاح العبادي
فيما يترقب المجتمع الدولي اتفاق حماس وإسرائيل خلال مفاوضات شرم الشيخ؛ للإطلاع على تفاصيل المرحلة الأولى من اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزّة، تبرز ملفات شائكة وتحدّياتٍ عدّة للمراحل المقبلة.
تتمثل هذه التحديات في نزعُ سلاحِ حركة حماس، وهي خطوة تصرّ عليها واشنطن وتل أبيب باعتبارها شرطًا أساسيًا لوقفٍ دائمٍ للنار. في حين تربط حماس أي حديثٍ لنزع السلاح بقيام دولة فلسطينيّة.
ومن الملفات الشائكة قضيّة إدارة قطاع غزّة بعد الحرب؛ فحماس تطالب بلجنة تكنوقراط فلسطينيّة متفق عليها بين الفصائل، في حين ترفض إسرائيل أي دررٍ للحركة أو السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.
وكذلك فإن إسرائيل ترفض أي وجودٍ لحماس، وكذلك السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، بعد ما تضمنته خطّة ترامب بشأن تشكّيل لجنة دوليّة تسمى مجلس السلام الدولي للإشراف على حكم غزّة برئاسة ترامب.
بوصلة تنفيذ خطّة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزّة تتجه نحو مدينة شرم الشيخ، حيث تفتح أوراق المرحلة الأولى من الاتفاق، في مشهدٍ تتقاطعُ فيهِ المصالح وتتصادم فيه الحسابات.
حماس وإسرائيل على طاولة مفاوضات غير مباشرة عبر الوسطاء المصري والقطري.
وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر، أرجأ والمبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسطـ، ستيف ويتكوف الانضمام للمفاوضات وهو ما يعد مؤشرّا على حجم الفجوات والصعوبات.
ما هي هذه الصعوبات؟ وهل تذليلها سهل؟ وكيف سيتفق الطرفان على أولويّة مراحل الخطّة؟ وأي خطوة ستأتي قبل الأخرى؟
وما هي الأوراق المتبقية في يد كل من حماس وإسرائيل؟ وما هي الضمانات لكل من الطرفين لتطبيق كلِ البنود؟
واشنطن تراقب عقارب الوقت لأن الزمن كما قال ترامب هو الثمن الأغلى في هذه الحرب.
فهل تنجح مدينة شرم الشيخ في تحويل هدير الحرب إلى إتفاقِ سلام؟
تتجه الأنظار إلى مدينة شرم الشيخ في جنوب سيناء التي تستضيف اجتماعات تبحث آليات تنفيذ خطة ترامب في المرحلة الأولى تحديدًا.
الوفد الإسرائيلي الذي يضم وزير الشؤون الاستراتيجيّة الإسرائيليّة ومبعوث ترامب لم ينضما إلى المفاوضات حتى إنجاز تقدم في المفاوضات.
وفد حركة حماس برئاسة خليل الحيّة كان قد عقد مباحثات مع جهاز المخابرات العامة المصرية قبل إنطلاق المفاوضات.
كما أنّ وفد حماس عرض جملة من التخوفات بشأن احتمال تراجع نتنياهو، أو عدم التزامه بخطّة ترامب. مؤكدًا ضرورة وجود ضمانات واضحة وآليات رقابة تضمن تنفيذ الاتفاق بالكامل.
القناة الرابعة عشر الاسرائيليّة أكّدت بأنّ نتنياهو اكّد في نقاشات داخلية بأنّ الجيش الإسرائيلي لن يبدأ الانسحاب من غزّة قبل عودة آخر رهينة. كما أنّ إسرائيل لن تعتمد على الوسطاء، وأنّ فترة المحادثات ستكون معدودة بأيامٍ فقط.
العيون تتجه إلى الطاولة التي تجلس عليها حماس لتقول كلمتها والتي قال ترامب بأنّ إسرائيل وافقت عليها كما هي.
فهل ستحسم حماس قرارها بخصوص المرحلة الأولى؟.
غياب شخصيات مهمة كان يفترض بها أن تكون في هذهِ المحادثات الجارية في مصر يعكس ما تريده إسرائيل؛ والذي يتمثل بإعادة الأسرى والمختطفين وتفكيك حركة حماس، حتى لا تكون متواجدة عسكريًا وسياسيًا في غزًة.
حماس تدرك بعدم وجود ثقة بأي ضمانات للغزيين، كما أنّه من الواضح بأنّ حماس تتحدث عن بعض الشروط؛ وهو ما يعتبر إجهاضًا لأي مباحثات مع إسرائيل في هذا التوقيت.
حماس وافقت على الإطار العام؛ لكنّ البنود مبهمة بالنسبة لها، في وقت تستمر إسرائيل في عمليات القتل للمدنيين العزّل الذين يبحثون عن المساعدات الإنسانيّة؛ وهو ما يؤكّد أنّ الأمر في ملعب إسرائيل التي تلاحق أهالي قطاع غزّة من خلال عمليات القتل والصف والإبادة الجماعيّة.
التصريحات التي تخرج من القيادات الإسرائيليّة تؤكّد عدم تخليها عن قطاع غزّة، وعن الأهداف التي حددها الجيش الإسرائيلي والتي تتناقض مع البنود التي وضعها ترامب في سياق خطتهِ للسلام، مع وجود سيطرة أمنيّة للقطاع.
في حين أنّ حماس عندما قبلت بالخطّة بشكلٍ مبدئي فهذا يعني قبولها بالبنود العشرين، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فائدة قبولها بالخطّة وهي ترفض تسليم سلاحها إلا للسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة؟!
وفي الجهة الأخرى فإنّ حماس تتفاوض على كيفية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات من الناحية اللوجستية؛ التي تتطلب من إسرائيل تسهيل هذه العملية، والتي تتطلب أيضًا توقف إسرائيل عن عمليات القصف وارتكاب المجازر.
وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى توقف إسرائيل لعملياتها العسكريّة تمامًا؛ لتسهيل الاجراءات اللوجستية من أجل إطلاق سراح الرهائن كما التزمت حماس عندما قبلت بالخطّة؟! ولماذا تعرقل إسرائيل هذا البند؟
نتنياهو قبل بالخطّة وقبل أيام تبعته حماس بالقبول بالخطّة أيضًا، والآن هناك مفاوضات في مصر، وهو ما يفترض بالطرفين البدء بالتزام بوقف القتال على الأرض، وهو ما أدى إلى سقطوط العديد من الشهداء.
حماس متخوفة ربما من تسليم ورقتها الأخيرة لإسرائيل وهي ورقة الرهائن، فهي تدرك بأنّها وفي حال سلّمت جميع الرهائن الأحياء والأموات لإسرائيل لن يتبقى لديها أي من الأوراق ميدانيًا وسياسيًا.
في اللحظات الأولى التي أعلنت فيها حركة حماس قبولها بالمقترح الأمريكي، أمر ترامب بوقف إطلاق النار دون التزام نتنياهو بذلك، وهو ما يشير إلى استمرار إسرائيل بعمليات القصف التي تعكس وجود نوايا سيئة لدى الجانب الإسرائيلي، في وقت تشعر حماس بالقلق من تسليم الورقة الأهم والأخيرة لديها؛ وهي ورقة الأسرى جرّاء عدم وجود ضماناتٍ لها.
وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول إذا ما كانت حماس ستحتفظ بأي شرعية كانت في حال إجراء انتخابات مستقبلًا في قطاع غزّة؟
وهل ستبقى الأقوى بعد هذه الحرب؟ وهل ستبقى حماس متمتعة بالشرعيّة بعد مرور نحو تسعة عشر عامًا من فوزها بالانتخابات التي كانت قد جرت في قطاع غزّة؟
مما لا شك به أنّ اتفاقُ غزّة في مرحلة التفاوض، يشكّلُ مرحلةٌ حاسمةٌ في شرم الشيخ؛ حيث تستأنف المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل وسط حضور دبلوماسي مكثف.
لكن اللافت غياب الثلاثي؛ وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر، والمبعوثين الأمريكيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، ما أثار تساؤلات حول تعقدات الموقف.
المعطيات تشير إلى محاولات بناء جسرٍ بين مواقف الطرفين لتجاوز الهوة بين الأولويات.
ترامب من جهته يواصل ضغطه على نتنياهو لضمان عدم عرقلة الاتفاق، فهو نشر على منصّته على تروث سوشال صورًا للشارع الإسرائيلي المؤيد للاتفاق، في رسائل واضحة لنتنياهو لثنيه عن أي عرقلة، فهل ما يجري في شرم الشخ خطوةٌ نحو حلٍ دائم؟ وماذا لو تمت عرقلتها؟.
البيت الأبيض متفائل مما يجري في شرم الشيخ، وهو ما يستند إلى الأساس أنّ ترامب ضغط على نتنياهو لقبول هذا الاتفاق، ونتنياهو قال نعم لأنه لم يتوقع بأنّ حماس ستقبلهُ. كما أنّ حماس قالت نعم ولديها تحفظات، لكنّ ترامب يدرك أنّ له يد عليا على إسرائيل في هذهِ المرحلة، في وقت تشير الأمور إلى استياء نتنياهو من جرّاء استهداف الأخير للدوحة.
يبدو أنّ الإسرائيليين اليوم ممتنين للحزب الجمهوري في وقت يشعرون بالحرج مع ترامب، وهو ما دفع للحوار من أجل التوصل لاتفاقٍ لوقف الحرب.
فأين بنيامين نتنياهو من التفاؤل الأمريكي إذا ما أخذ بالاعتبار الصور التي نشرها ترامب على منصّته، وهو يعتمد على الشارع وكأنه يقول للشارع الإسرائيلي أنظر ماذا يجري؟!.
شعبية ترامب في الشارع الإسرائيلي تفوق بكثير شعبية نتنياهو، وهو الأمر الذي يتضح من مخاطبته للشارع الاسرائيلي، وتجاوز نتنياهو ويظهر لهم بأنّ هذا الاتفاق له شعبية في الداخل الإسرائيلي.
ترامب يدرك بأنّ نتنياهو كان سلبيًا بشأن الاتفاقات التي كانت مقترحة في السابق، وهذا ما يشكّل مزيدًا من الضغط على نتنياهو للمضي قدمًا بنية حَسنة دون عرقلته.
غياب الثلاثي الأمريكي في المفاوضات يؤكّد بأنّ ذلك يعود لعدم وجود استعداد مسبق من قبلهم للإنخراط في المفاوضات قبل تحديد الثغرات على مستوى مراحل انسحاب الحيش الإسرائيلي، وما الذي ستفعله حماس؟ والتفاصيل المتعلقة بتبادل الرهائن والسجناء، وما هو المستوى وحجم السجناء الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم؟.
بالتأكيد بأنّ هنالك تفاصيل ستناقش خلال الأيام المقبلة، بعد تحديد الثغرات التي يجب سدّها من قبل المفاوضين.
غياب ويتكف وكوشنر قد يحمل تساؤلات حول فتور الإنخراط الأمريكي في المفاوضات الجارية، في وقت تشير معلومات بأنّهما قد يلتحقان في المفاوصات اليوم أو ربما غدًا بعد أن تتضح الكثير من التفاصيل . وهو ما يثير تساؤل حول ما هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في شرم الشيخ؟
مما لاشك به أنّ ترامب استثمر الكثير في هذه المفاوضات؛ وهو يتطلع للحصول على جائزة نوبل للسلام التي ستعلن خلال أيام وربما في العاشر من الشهر الجاري.
فماذا لو وقف نتنياهو في طريق أحلام الرئيس ترامب في المنطقة؟ ما الذي سيحدث ؟