
زياد الرباعي
السؤال الذي يطرح نفسه، في ظل أزمة الصحف الورقية،.. هل تعبر “الرأي”، الصحيفة الأوسع انتشار واعلانا ومتابعة في الاردن الى يوبيلها الذهبي العام القادم، وسط معاناة مالية وقصدية، تهدد الصحف الورقية في زمن نجح تزاوج العالم الرقمي وتطور الاتصالات وعلى الطريق الذكاء الصناعي الى بروز الاعلام الحديث، ودفع بالعالم المعلوماتي الى الاستغناء عن مقولة القرية الصغيرة الى “الخلوي”و المواطن الصحفي والبث المباشر بأقل الامكانيات المالية والمادية، ودون حواجز وتصاريح ورقابة، وفق منطق الهيمنة وحاجة السوق والجمهور يريد هذا، بعيدا عن أهداف الاعلام الواقعية والحقيقية والمهنية.
رسالة “الرأي” التي أسسها الشهيد وصفي التل عام 1971، لم تكن ربحا وخسارة، ومصنعا يدر دخلا على اصحابه، بل مؤسسة وجريدة وطن، نجحت هنا أو اخفقت هناك عبر مسيرة تقترب من نصف قرن، عاصرت حلو الحياة ومرها، وطبع حرفها تارخ دولة وثقافة وطن، وجال صحفيوها عتبات القرى قبل المدن، وعايشوا تعرجات السياسة قبل الاقتصاد، ودفعوا اثمانا غالية من حريتهم، وقوت عيالهم، وعرقهم ومرضهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر ساعة صفر تدقها الحكومة اولا والضمان الاجتماعي ثانيا، لتقرير مصير الصحف الورقية ومنها “الرأي” بعد ان اكلوها لحما ورموها عظما، في وقت عز فيها رجال يذودون عن حياض “الرأي” كما يدافعون عن سياج الوطن والحرف والحرية ولقمة العيش.
“الرأي” تارخ لمسيرة وأرشيف لوطن، وحالة وجود لا تقدر بثمن لمن لا يريد التعامل معها إلا بمنطق الربح والخسارة ، وقيمة المباني والارض والمطبعة.
“الرأي” ليست أوراقا تصدر كل صباح تراجع فيها الاعلان بفعل الظروف، بل مؤسسة تتكامل فيها الأدوار، من مركز للدراسات يؤشر لحالة الاردن السياسية والاعلامية والاقتصادية سنويا، ومركز للتدريب الاعلامي، ومطبعة تجارية، وصحيفة الجوردان تايمز لتعريف الجاليات والسفارات الاجنبية بالاردن اعلاما وتاريخا وثقافة.
“الرأي” سارت في درب الارباح سنين طويلة، ورفدت صندوق الاستثمار في الضمان الاجتماعي الذي يملك قرابة ثلثي اسمهما بعشرات الملايين، وما تعثرها الا بسبب التدخلات من هنا وهناك، وعندما نقول أن الحكومات هي التي أوصلت “الرأي” لهذا الضيق الا لانها صاحبة الولاية العامة، فهي صاحبة الكلمة الاولى في “الرأي” خاصة بعد عام 1989 تدخلا في السياسة التحريرية والادارية، من خلال هيمنتها على قرار الضمان الاجتماعي صاحب الاغلبية في مجلس الادارة، وهي التي اغرقت المؤسسة بالتعيينات، وأبعدت كل صاحب رؤية ومشروع انقاذي عن عتبات “الرأي”بحجج وأهية، منذ قرابة العشر سنوات، لتُصدق رواية اغراق “الرأي”، لتنشغل بتأمين الرواتب ومتطلبات الانتاج، وتتناسى التطور الاعلامي والاعلاني، ومجاراة العالم الرقمي، فالجوع يُشغل الناس عن الابداع في ظل حياة تزداد قسوة على الصحفيين والعاملين في “الرأي”، الذين يتمسكون بها لانها حياتهم ورزقهم وفكرهم، وحرف وطنهم واحبار دمهم، ومعاناة فقرائهم ، والواجهة الاعلامية الأهم محليا بالنسبة للعالم عندما يراد تحديد موقف الاردن من قضية ما .
“الرأي” اذ تبحث عن حلول، فانها تريد حقها في الوجود والاستمرار، ولا تستعطف الحكومة والضمان، اللذين ينتظران قرارات ترسل اليهما تحدد مستقبل الصحافة الورقية ومنها “الرأي”، في زمن لم نعد نعرف من هو معك ومن يكذب عليك، فالرأي يجب عن يحدد مصيرها الوطن، ولا يترك الأمر لادارة الضمان على مبدأ الربح والخسارة، ولثلة ترى في “الرأي” مؤسسة من القرن الماضي، تتناسى ان التاريخ ورسالة الدولة عبر الاعلام الوطني القابل لمجاراة العصر والعولمة والرقمنة. ولا يُقبل من أي كان، ان يخرج علينا ويقول، أن مصير الرأي بيد الضمان، وهو يعي أن الضمان ينتظر الأوامر ويتناسى تاريخ الرأي ورسالتها ودورها عبر نصف التاريخ الاردني.
الرأي قادرة على صناعة حالة اعلامية مستفيدة من عراقة وجودها وحضورها ورموزها وامكانياتها، ان توفر لها الدعم، وخرجت من عنق زجاجة الازمة المالية التي اكرر ان سببها الحكومات والضمان الاجتماعي والأدلة كثيرة، ولم يكن للعاملين فيها أي ذرة تقصير، بل على العكس ضحوا بالكثير لتبقى “الرأي” العنوان الأهم لوسائل الاعلام في المملكة، والحكاية الاردنية الأكثر مصداقية ودقة ومهنية.رأي الثلاثاء 2/6/2020