محمد العوضات
الجرائم الإلكترونية في الأردن: شبح يهدد، قانون رادع ووعي مجتمعي محدود
بقلم محمد العوضات
في زمن باتت فيه شاشات الهواتف والكمبيوتر نافذتنا إلى العالم، أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية في الأردن. نستخدمها لنشارك أفراحنا وأحزاننا، نتواصل مع من نحب، نعمل ونتعلم، لكنها في ذات الوقت تحمل في طياتها مخاطر خفية تهدد أمننا وخصوصيتنا. تلك المخاطر هي الجرائم الإلكترونية التي انتشرت بسرعة، لتصبح شبحًا يلاحق الجميع، من سرقة الهوية إلى التشهير والابتزاز، وفي مقدمها جريمة إنشاء الحسابات المزورة وانتحال الشخصيات، إلى جانب جرائم تقنية معقدة كـانتحال العنوان البروتوكولي والدخول غير المصرح به إلى رسائل الواتساب.
في خضم زحمة الحياة اليومية، لا يتخيل الكثيرون أن خلف كل نقرة قد يكون هناك من يراقب، يتجسس، أو يخطط للاختراق والتلاعب، مستخدمًا تقنيات متطورة تخترق خصوصياتنا دون أن نشعر. اختراق رسائل الواتساب وسرقة المحادثات الخاصة لم تعد مجرد قصص من أفلام الجريمة، بل واقع مؤلم يعايشه العديد من الأردنيين، وتداعياته تصل إلى حد تهديد سمعتهم وأمانهم النفسي والاجتماعي.
تلك الحكايات التي نسمعها أو نراها على وسائل الإعلام ليست بعيدة عنا، فهي تجارب واقعية عاشها أشخاص مثلنا، تعرضوا لسرقة هويتهم الرقمية، وأصبحوا ضحايا ابتزاز أو تشهير عبر حساباتهم التي تم انتحالها أو اختراقها. والأسوأ أن كثيرين منهم يخشون مواجهة الواقع بالإبلاغ عن هذه الجرائم، خوفًا من وصمة العار أو عدم المعرفة بكيفية التعامل مع تلك الأزمات القانونية، مما يسمح لهذه الظاهرة بالتمدد والانتشار.
في مواجهة هذا الخطر، تبذل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الأردن جهودًا كبيرة ومتواصلة لحماية المجتمع الرقمي. تعتمد الوحدة أحدث التقنيات وأفضل الممارسات في التحقيق والكشف عن الجناة، وتعمل على متابعة المجرمين أينما كانوا عبر التنسيق مع جهات أمنية محلية ودولية. كما تقوم الوحدة بتنفيذ حملات توعوية لتعزيز وعي المجتمع بأهمية السلامة الرقمية وكيفية حماية أنفسهم من الوقوع ضحايا. هذه الجهود تضع الأردن في مصاف الدول التي تأخذ أمن الفضاء الإلكتروني بجدية، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها.
القانون الأردني للجرائم الإلكترونية موجود كدرع يحمي الجميع، ويضع قواعد صارمة تحاسب كل من يستغل الفضاء الرقمي للإضرار بالآخرين. لكنه لن يكون فعالًا إلا عندما يصبح الوعي القانوني والرقمي جزءًا من ثقافتنا اليومية، حيث يعرف كل مستخدم حقوقه وواجباته، ويحمي نفسه بأساليب بسيطة لكنها فعالة، كالتأكد من تحديث تطبيقاته، استخدام وسائل الحماية، وعدم مشاركة معلومات الدخول مع أي شخص.
نصيحة لكل مستخدم للفضاء الرقمي في الأردن: لا تستهين أبداً بما تنشره أو تفعله على مواقع التواصل الاجتماعي. فالكلمة التي تراها بسيطة اليوم قد تتحول إلى قضية قانونية غدًا، أو سببًا في فقدان الثقة أو حتى الأمان النفسي. لا تشارك معلوماتك الشخصية بسهولة، راقب من تدخل إلى حساباتك، واحذر من قبول طلبات الصداقة أو الرسائل من مجهولين. كن واعيًا بأن كل مشاركة وحركة لك في الفضاء الرقمي تُترك لها آثار، بعضها قد يكون لا رجعة فيه. الحذر والوعي هو سلاحك الأول في حماية نفسك وأحبائك من مخاطر هذا العالم الرقمي المعقد.
الأمان الرقمي مسؤولية مشتركة، فلا يمكن أن نترك الباب مفتوحًا للمتربصين أو نغفل عن مخاطر تحيط بنا بينما نعتقد أن العالم الرقمي بعيد عن مشاكلنا الحقيقية. علينا أن نكون يقظين، متعلمين، ومستعدين للوقوف ضد كل محاولة لاختراق خصوصيتنا أو استخدام حساباتنا بصورة خاطئة.
في النهاية، لا يكفي أن تظل القوانين حبرًا على ورق، ولا أن تترك مسؤولية الأمان الرقمي في يد جهة واحدة فقط. إن حماية خصوصيتنا وأمننا الرقمي تبدأ بوعي كل منا، وبموقف حازم تجاه أي اعتداء على هذا الفضاء الذي أصبح جزءًا من حياتنا وأمننا الشخصي. علينا أن نكون يقظين، متسلحين بالمعرفة، ومدركين أن كل نقرة وكل مشاركة تحمل معها مسؤولية لا تحتمل التهاون. هذا الوعي هو خط الدفاع الأول الذي يحمي مجتمعاتنا وأسرنا، ويحول الإنترنت إلى مساحة أمان حقيقية للجميع. فلنجعل من احترام القانون وتوعية أنفسنا والآخرين رسالة وطنية، نستلهم بها قيم الكرامة والاحترام، ونبني معًا مجتمعًا رقمياً قويًا لا يترك مجالًا للخوف أو التجاوز ..
