سمر الجبرة
إنجاز – لم تعد مشاهد العنف الجامعي في جامعاتنا الأردنية أحداثاً عابرة أو حالات فردية، بل أصبحت ظاهرة متكررة تستوقفنا أمام سؤال مهم: كيف تحوّل الحرم الجامعي الذي وُجد ليكون فضاءً للفكر والحوارإلى ساحة صراع تتلاشى فيها القيم والمبادئ ؟
العنف الجامعي ليس وليد لحظة غضب، بل هو نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية ونفسية. حين يدخل الطالب إلى الجامعة مثقلاً بثقافة “العصبية” والانتماء الضيق، . يضاف إلى ذلك ضعف الوعي الطلابي، وغياب برامج الإرشاد النفسي والاجتماعي، وتراجع الدور التربوي داخل المؤسسات التعليمية.
وفي كثير من الأحيان، تمتد الانتماءات العشائرية أو المناطقية إلى داخل الحرم الجامعي، فتُستبدل لغة العقل بلغة القوة، ويُفقد الطالب قدرته على إدارة الخلاف بطريقة حضارية، اضافة إلى ما يخلفه الفراغ من ابتعاد عن الهدف الرئيسي من تأسيس الجامعات والتي لا تعنى فقط بالتعليم إنما هي مؤسسة تربوية لها أدوار مهمة في بناء شخصية المواطن الصالح .
ولعل استمرار هذه الظاهرة ، لا بل انتشارها في الآونة الأخيرة يسبب انتهاكاً واضحاً لأهم حق من حقوق الطلبة ألا وهو الحق في بيئة تعليمية آمنة! فكيف لنا أن نعول على جيل يحل خلافاته البسيطة بالعنف والمشاجرات ؟ بينما نحن نواكب منظومة متكاملة متطورة حولنا يجب علينا لمجاراتها أن نعمل على إعداد جيل سوي خال من أي اضطرابات أو ضغوطات ، جيل واع قادر على مجابهة كافة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولأن العنف الجامعي ليس ظاهرة معزولة، فإن معالجته تتطلب رؤية شمولية تتجاوز العقوبة إلى الوقاية. لا يكفي أن تُصدر الجامعات قرارات فصل بعد كل مشاجرة؛ بل يجب أن تُبنى منظومة وعي متكاملة تبدأ من المدرسة، مروراً بالأسرة، وصولاً إلى الجامعة كما ينبغي تعزيز دور المرشدين التربويين والنفسيين داخل الجامعات، وإدماج الطلبة في حوارات وأنشطة تُنمّي مهارات التواصل واحترام التنوع. كما يجب أن تكون العقوبات واضحة، معلنة، وعادلة، تطبق على الجميع دون استثناء، حتى يشعر الطالب بأن العدالة هي المرجعية الوحيدة، فجميعنا نعلم أن من أمن الجزاء أساء الأدب ، لذلك يجب أن تتناسب العقوبة مع حجم الفعل ، ولأن الهدف من المنظومة التعليمية هو المخرجات النوعية لا الكمية ، فما الفائدة إن زاد عدد حاملي الشهادات الجامعية دون أن تكون المؤهلات العلمية متزامنة مع المؤهلات التربوية والأخلاقية ؟
ولتحقيق ذلك،لا بد من تمكين الطلبة من التعبير عن آرائهم عبر مجالسهم المنتخبة وتنظيمهم النقابي المشروع والذي يخلق لديهم شعوراً بالمسؤولية والانتماء الحقيقي، لا الانتماء العاطفي أو العشائري. فالمسؤولية لا تُفرض بالعقوبة فقط، بل تُزرع بالتربية والقدوة والحوار.
في النهاية، يبقى الحرم الجامعي مرآةً للمجتمع. فإذا أردنا أن نحاصر العنف داخل أسواره، علينا أن نزرع قيم الحوار خارجه أيضاً. فالعنف الجامعي ليس معركة بين طلاب، بل معركة بين الجهل والعقل، بين القانون والفوضى، بين المستقبل والماضي.
والتغيير للأفضل ـكما أؤمن دائماًـ ما زال بأيدينا.
بقلم الأستاذة سمر الجبرة