
د.خالد الشقران
شهد المسجد الأقصى مؤخراً تصعيداً غير مسبوق في وتيرة الاقتحامات من قبل المستوطنين المتطرفين وقادة إسرائيليين، كما حدث يوم أمس وقبله عندما حاول مستوطنون ممارسة طقوس وتقديم قرابين داخل ساحاته، هذه الأفعال لا تعد استفزازات فردية، بل تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وتؤجج الصراع في المنطقة.
من الناحية القانونية تتعارض الاقتحامات مع صريح القانون الدولي الذي يعتبر القدس الشرقية، بما فيها المسجد الأقصى، أرضا محتلة منذ 1967، وبموجب اتفاقيات جنيف ومواثيق الأمم المتحدة يجب أن تلتزم إسرائيل كقوة محتلة بالحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني للمقدسات، كما تنتهك هذه الاقتحامات عدة مبادئ أساسية منها انتهاك السيادة، حيث لا تمتلك إسرائيل أي سيادة قانونية على المسجد الأقصى أو المقدسات الإسلامية في القدس وفقاً لقرارات مجلس الأمن المتكررة، كما تعد تقييدا لحرية العبادة حيث يتم منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأقصى خلال الاقتحامات، مع فرض قيود عمرية (كمنع من هم دون 50 عاماً) وإبعاد نشطاء وحتى طلبة العلم، مما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية، إضافة إلى خرق الاتفاقات الدولية واعتراف المجتمع الدولي بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
في الأبعاد السياسية والأمنية تحولت الاقتحامات إلى أدوات سياسية ممنهجة تهدف إلى تغيير الوضع القائم عبر التقسيم الزماني والمكاني للأقصى على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي بالخليل، تمهيداً لبناء «الهيكل المزعوم»، وتستغل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الظروف الإقليمية والحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 لتصعيد الاقتحامات، كما يتجلى ذلك بوضوح في تكرار اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد (6 مرات منذ 2023)، وكل هذه الممارسات تصب في تأجيج الصراع وتذكي الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي، حيث يستفز تدنيس الأقصى مشاعر أكثر من ملياري مسلم، ويهدد باندلاع مواجهات أوسع كما حدث في انتفاضة الأقصى عام 2000.
وفي هذا السياق تكتسب إدانة الأردن بوصفه الوصي القانوني على المقدسات أهمية استراتيجية في إدامة الضغط الدولي، حيث تدعو المملكة المجتمع الدولي إلى ضرورة وأهمية «اتخاذ موقف صارم» ضد الانتهاكات الإسرائيلية، مستندة إلى شرعيتها القانونية في إدارة الأوقاف الإسلامية بالقدس، وتؤكد بيانات الأردن أن الأقصى «مكان عبادة خالص للمسلمين»، مما يكشف زيف الرواية الإسرائيلية ويقوض المزاعم الدينية والتاريخية التي تروجها الجماعات الاستيطانية، كما تكتسب الإدانة أهميتها من حرص الأردن الشديد على منع التصعيد خاصة عبر تحذيراته المستمة من أن استمرار الاقتحامات سيكون له «عواقب خطيرة على أمن المنطقة»، خاصة في ظل توسع العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية.
خلاصة القول؛ تمثل الاقتحامات الاستيطانية للأقصى خرقا ثلاثيا؛ قانونياً (بتجاهل الشرعية الدولية)، وسياسياً (بتكريس الاحتلال)، ودينياً (بتدنيس المقدسات)، كما أن إدانة الأردن لهذه الاقتحامات وتحذيراته المستمرة للمجتمع الدولي من خطورتها لا تعد موقفا دبلوماسيا روتينيا، بل هي دفاع عن نظام قانوني قائم يحمي التوازن الهش أصلا في القدس، وإن استمرار هذه الانتهاكات دون محاسبة دولية فعلية يغذي حلقة الحروب والصراعات ويبعد أي أفق للسلام والاستقرار في المنطقة ويجعلها مرشحة للانفجار باستمرار.