جمال ايوب
بذكرى ولادةِ سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم
أرسله الله جلَّ وعلا بشيراً ونذيرا , وسراجاً مُنيرا , لِيُحَرِّرَ الناس من عبادةِ العباد إلى عبادة الرحمن , ومن جورِ الأديان إلى عدلِ الإسلام ..
أرسله الله ليُخرِجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النور , في فترة من الزمن كان الناس قد خرجوا فيه من النور إلى الظلمات , يظلِمون ويجورون , ويعتدون ويقتلون , حتى غدت أفعالهم كالغاب , وحياتهم كالسراب ..
والأنثى عندهم تُشترى وتُباع , حتى صارت من سقْطِ المتاع .. تسْوَدُّ وجُوهُهم إذا وُلِدَتْ , وترتفِعُ رؤوسُهم إذا وُئِدَتْ ..
جعلوا إلهتهم الحجارة ,تنحت فتعبد , ويُركَعُ لها ويُسجَد , وهي لا تملكُ لنفسِها ضرَّاً ولا نفْعا , فكيف تَملِكُ عن غيرِها دفعا ..
أصنامُهُم تُرفَع , وأرحامُهم تُقطَع , وغنيُّهم يَتَحكَّم , وفقيرُهم يَتألّم , حتى ضجَّ المجتمع بالفساد , واستعلى الظلم وساد , وعمَّ البلادَ والعباد ؛ وقد طالَ الليل , وعمَّ الويل ..
فمتى يا فجرُ تنفجر ؟ ومتى يا ظلمُ تنحدِر ؟ ومتى يا عدلُ تنتصر ؟.
حتى أشرق عليهم النورُ بعد غياب , فكانت الرحمةُ من الله الْمُهداةُ والنعمةُ الْمُسجاةُ مبعثَ نبِيِّ الرحمةِ محمد , صلى الله عليه وسلم , خِيرةِ عبادِه , وصفوة خلقِه , وأفضلِ إنسِهِ وجِنِّه .
جاء هذا الرسولُ ليبدِّدَ الظلامَ ويبسطَ العدلَ وينشرَ النور , ويُحرِّرَ الإنسانَ من تبعيَّةِ الإنسان .
جاء ليقول : لا إله إلا الله , ولا معبود سواه .. فلا تعبدوا الشمسَ ولا القمر , ولا الصنمَ ولا الحجر , ولا النجمَ ولا الشجر , واعبدوا الله الذي خلقها وخلق كلَّ شيء , وبيده وحده كلُّ شيء ..
جاء ليقول : صِلوا أرحامَكم , وبرُّوا آباءكم , وأكرموا جيرانكم , وأعطوا من حرمكم , وأعفوا عمن ظلمكم , وصِلوا من قطعكم ..
جاء ليقول : لا تحاسدوا ولا تناجشوا , ولا تخاصموا ولا تباغضوا , ولا تدابروا ولا تقاطعوا , ولا يغتب بعضكم بعضا ..
جاء ليقول : المسلمُ أخو المسلم , لا يظلمُه ولا يخذله ولا يحقِرُه , ولا يبع أحدكم على بيع أخيه , ولا يخطب على خِطبته , من أجل أن ذلك يُحْزنه ويوغِرُ صدره فتتقطع الأواصر فيما بينكم ..
نعم معاشر المسلمين , فقد جاء رسولنا الكريم ليدعُوَنا إلى عبادة الخلاق , وإلى مكارم الأخلاق ..
ونحنُ اليوم عندما نبتهج ونفرح بمثل هذه الذكرى فمن أجل أن نرجع إلى ما دعانا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , ولنجدِّدَ معه العهد الذي نسيناه , ولكي نتابع طريق الرسالة المحمدية الذي بأيدينا أضعناه , بل الذي بفعالنا السوء هدمناه ..
ماذا ننتفع بإحياء هذه الذكرى الطيبة إذا كانت قلوبنا متشاحنة , ونفوسنا متخاصمة ؟!.
ماذا ننتفع بهذه الذكرى إذا بقينا نتصارع ونتقاطع بتيارات ومذاهب شتى , ويكيد بعضُنا بعضاً بكل عداوة وبغضاء ؟!.
فهل هذا الذي جاء من أجله سيدُنا محمدٌ صلوات الله وسلامه عليه ؟!.
فبماذا نحتفل لطالما نحن في ذكرى المولد جميعاً بينما قلوبُنا شتَّى ؟!.
إنَّ الاحتفال بذكرى ولادة رسولنا من أجل أن نلتزم بسنته , ونسيرَ على نهجه , ونعملَ بشريعته , وندعُوَ إلى رسالة السماء لا إلى رسالة الأهواء ..
إن الاحتفال من أجل أن تتصالحَ النفوسُ وتتصافى القلوب , وليس من أجل أن نأكلَ الحلوى والطعام , ولا من أجل أن ننفقَ الأموالَ الكثيرةَ إسرافاً وتبذيراً بما لا يَرضى عليه رسولنا عليه الصلاة والسلام ..
جمال ايوب