ايهاب سلامة
تبدأ يومك بمطالعة وسائل الإعلام، فيشدك خبر رفع الدعم عن الخبز، وتلهث لمعرفة التفاصيل، متى وكيف وكم اصبح سعر الرغيف بعد رفعه؟، لتقع عيناك على خبر، بإحباط عملية إرهابية خطيرة قبل أسابيع، فما تكاد تنهيه، حتى يضيء لون أحمر يعلمك بخبر عاجل، عن بلاغ كاذب بوجود متفجرات داخل مبنى ضريبة الدخل، استنفر الأجهزة الأمنية، لتلمح خبراً ثالثاً، لملثمين يقتحمون محلاً تجارياً وسط العاصمة، ويحطمونه.
قبل احتساء قهوتك، يغيظك خبر رصدته كاميرات مراقبة، يظهر عدة اشخاص يقتحمون “كسّارة” بالزرقاء، ويعتدون على موظف فيها من ذوي الإعاقة، رفض اعطاءهم مواد بناء بالمجان .. لتصاب بالفوبيا بعد إذ عطست فجأة، وعينك على خبر يقول : أن وزارة الصحة قد سجّلت إصابات جديدة بانفلونزا الخنازير !.
تنقر (enter) سريعاَ .. محاولاً الهرب، ورؤية ما قد يسر بالك، فتقرأ عن محاولة سطو مسلح على “محل دواجن” في إربد !، وانتحار شاب عاطل عن العمل، شنقاً، بمنزله في مأدبا، وفتاة تنهي حياتها بالسم في أحد أحياء العاصمة، لتدمع عيناك على طفل بعمر البرعم، شنق نفسه بحبل وهو يلعب في باحة بيته، ليرتفع ضغطك غضباً على مصرع طفلة اخرى، تعرضت للضرب المبرح من والدتها وزوجها !
تكاد تهذي، بل تهذي.. وسيل من الأخبار يجرف أفكارك، ولا تنفك من خبر جريمة قتل هناك، لتقرأ خبر انقاذ طفل تاه وهو يرعى الغنم، وعلق في وادٍ سحيق بالصحراء، لتحزن على حادث تدهور مركبة راح ضحيته شابان شقيقان، ليطسك خبر اعتصام أمام وزارة البلديات، نظمه رؤوساء المجالس المحلية، للمطالبة بتعديل رواتبهم !.
حريق ضخم يشب في ثلاثة محال تجارية شمالي المملكة، وتحذير من منخفض جوي شديد البرودة قادم نحو البلاد، والأمن يقبض في كمين، على مطلوب خطير، فرّ من داخل محكمة بالبادية الشمالية، ولاحقاً، ضبط كذا مائة الف حبة مخدرة على الطريق الصحراوي، كانت في طريقها لأدمغة شبابنا، وضبط 50 طناً من قوالب الرصاص المصهور دون أن تدري لماذا ؟، ونصف طن آخر من الأغذية الفاسدة في معان، وبين هذا وذاك، نشوب مشاجرة جماعية بالعصي والهروات، بين عشرات الشبان في جرش، أسفرت عن وقوع العديد من الإصابات والخسائر.
تدخل في حالة فصام .. تلوذ الى خبر دولي، علّ وعسى يهدىء روعك، فتلمح وجه ترامب ..
تصاب بالغثيان، تكاد تحرك أصابعك مرغماً، محاولاً إماطة شعره الأصفر الذي يستفزك مبعثراً محلقاً في هواء الصورة، وتحتها عنوان خبر يهدد فيه الفلسطينيين ويتوعد، ويعربد على شعوب الارض متحكماً بمصائرها من صفحة افتراضية على “تويتر” ..
تصدمك صورة ثانية، لبقايا طفل سوري بثتها صحيفة، ووالده يحاول لملمة أشلائه من حديقة منزلهم الذي قصفته مقاتلات روسية، لتبث صحيفة أخرى، في خبر عاجل لها، مقتل 21 امرأة عراقية في محافظة نينوى، ظهرت على جثثهن آثار السلخ والتعذيب، وخبر ثالث ورابع، بانفجار ضخم هزّ مدينة صنعاء، وخلّف ما خلّف من قتلى وخراب ..
تدلق فنجان قهوتك الذي لم يعد له طعم ولا رائحة، تلعن الساعة التي اشتريت فيها حاسوباً وموبايلاً، تغلق جميع صفحات المواقع الاخبارية، والتواصل الاجتماعي، وتقفل المذياع والتلفاز، تحاول أن تقضي يومك دونما أخبار وأنباء، ليغرد لك “واتس اب” فجأة، معلناً قدوم رسالة جديدة..
تختلق بسمة على شفتيك، لعلّها “نكتة” من صديق تطرد بها كآبتك، ليصدمك تحذير شديد اللهجة من جارك “أبي علي”، مفاده : اذا لم تنسخ هذه الرسالة، وترسلها الى خمسين صديقاً الآن، فأنت ملعون، وابن ملعون، ومصيرك جهنم !؟