أ. سعيد ذياب سليم
ورقة التوت
تتلبسنا حالة من الانتظار ، نبدو فيها كأننا نقف أمام غرفة الولادة ننتظر قادما ، لكنا نخاف أن يكون مسخا مشوها تصعب الحياة معه، هل نجهضه؟ أم نترك له فرصة للحياة ؟ أليس لنا الحق في الاختيار ؟ أم هي إملاءات الطبيعة !
ربما سيكون حظنا في الحياة شبيها بما حدث لـ “ريتشارد” في رواية “نيل غيمان” اللامكان “Never where” ، رجل عادي جدا يؤدي عمله اليومي ، يواعد صديقته لديه ذكرياته و أحلامه الخاصة، يصحو يوما و يكتشف أنه لم يعد موجودا، فهو يتحدث فلا يسمعه أحد، يصرخ فلا يكترث له أحد، يقف أمام حركة السير يحاول أن يوقف سيارة للأجرة ولكن لا يراه أحد ، لم يعد من أبناء الواقع و إنما طيف هائم في أزقة المدينة السفلى يعيش في ظلامها يجاهد حتى يعود ليكتشف أن لا مكان له .
و قد نكون أوفر حظا من “جريغور سامسا” في رواية فرانز كافكا “المسخ The Metamorphosis” ، بائع متجول يعيش في شقاء يومي ، يجهد ليوفر قوته وقوت أسرته ، يجري حساباته كل ليلة وينام على أمل بغد جديد ليصحو يوما و يكتشف أنه تحول إلى حشرة بشعة مقلوبة على ظهرها، تُحرك أطرافها في الهواء ، يحاول أن يعتدل و ينهض من فراشه أو يلفت النظر إليه فلا يستطيع ، بقي على تلك الحالة من الرعب و الغربة التي لا يخرجها منها إلا الموت.
تضيق علينا الحلقات يوما بعد يوم ، تُقزّم أحلامنا ، تختصر آمالنا ، تدفعنا باتجاه عنق الزجاجة ، و تجعل أحاسيسنا في حالة من الفوضى والزيف و “القلق” ، أحياء خارج الزمن ، فالحب تصنعا و الخُلُق ممتهنا و الشرف يتأثر بقوانين الديناميكا الحرارية ينبسط و ينقبض تبعا للظروف و انسجاما مع قانون الربح و الخسارة، يتفتت الصبر ويذوب كالسكر ، يضيق مجرى الدم و نصبح أسرى جلطة دموية صغيرة .
ربما منذ قرن أو أكثر و نحن في انتظار الحياة أن تبدأ، وكأنه قدر لا يمكن الفكاك منه، فالتاجر ينتظر، و العامل ينتظر و ربة البيت تنتظر، تمر الأمم على شرقنا تتمدد تتقلص تغير مجرى التاريخ و نحن في انتظار ” غودو” أن يصيغ صفقته الشاملة التي تنصف الجميع إلا نحن ! تنطلق فقاعات إعلامية هنا و هناك ينقسم الناس بين مناصر و معارض و متفرج، ينخر الفساد في الجسد يأكل الأعضاء كالجذام ولا منفذ.. كم نحن بحاجة ماسة لساحر يحرك عصاه و “دابرا كدابرا” فتنخفض الأسعار و يملك كل منا بئر بترول و اسطوانة غاز عملاقة !
ما الذي نحن بانتظاره ؟ هل ستجري الانهار لبنا و عسلا ؟ أم ستنهمر علينا السماء ذهبا ؟ وربما ستنفتح سراديب الأرض عن أسوء كوابيسنا فيخرج منها قوم يأجوج و مأجوج أقزام صفر يأكلون الأخضر و اليابس…و نصحوا لنكتشف أننا لا نلبس إلا ورقة التوت ! وهل سيطول انتظارنا في هذه المحطة التي نسي أن يمر بها قطار المستقبل .. قرنا آخر؟