عاهد الدحدل العظامات
ورحلت الحكومة… ماذا بعد
عاهد الدحدل العظامات
ذكرنا سابقاً أن سحر تسكيت الشعب الاردني الذي وصلت مستوى معيشته للقاع ولم يعد بوسعِ طاقته أن تتحمل قد بطُلَ مفعوله. وحذرنا من أن المُراهنة على صبره على السياسات الفارضة للضرائب والرافعة للأسعار وذات اليد الطويلة المُتعدّية على ما يتبقى في جيبه ما هي إلا خسارة مؤكدة؛ لكن على ما يبدو أن لا أحد يريد أن يُصغي ويدرك ما نقول وهذه هي النتيجة لواقع مؤلم. فبعد ستة شهور على ثورة شعبية أسقطت حكومة ها هي تعود الإحتجاجات والمظاهرات وإمتلأت الشوارع بمن يحلمون بالتغيير الذي يضمن لهم حياة كريمة ومستقبل آمن في وطن يريدون بقائه آمناَ ولا يتمنون غير ذلك. والذي يتابع الأحداث في فرنسا ويقارنها بما يجِدّ على الساحة الاردنية سيجد أن حب الوطن الصادق يغلّب الغضب وفوّرة الدم فهنا شعب عربي إحتج إحتجاجاً سلّمياً, فلم يخّرب ولم يحرق ولم يؤذي رجل أمنٍ واحد ممن يحرسون مشهد الغضب في الشارع, فاولئك أيضاً تواجدوا في المكان لا ليعتدون على المتظاهرين, لأنهم منّا ولا يختلفوا عنّا, حتى في واقع المعيشة الصعبة هُم يعانون مثل ما نعانيه فلا بد من إحترامهم وإحترام دورهم في الحفاظ على أمننا وأماننا وعدم السماح لأنفسنا أو حتى لغيرنا الأساءة لهم والتطاول عليهم, فهم يرتجفون برداً كما يرتجف الهاتفون بالحقوق في مساءٍ بارد.
ما الذي جعل الشارع ينتفض على حكومة الرضى والتفاؤل؟ ولم تتجاوز مدتها الستة شهور! وبالطبع فإن الإجابة من السهل الوصول إليها وإستنتاجها لن يكون بالبعيد عن الواقع الذي لم يتغير ففقر الشعب وبطالة الشباب وضياعهم في متاهات المستقبل الغامض الذي ما مِن أمل يحدو ببقعة ضوء لربما نجدها في نهاية الطريق المُظلم؛ والأسوأ من ذلك هو إقرار قانون ضريبة ليس مُستحباً على شعب بات الحصول على رغيف الخبز يُشكل له همّاً كبيراً. فكيف لا نتوقع حدوث إنفجار في الشارع الذي كانت إرادته جديرة بإسقاط حكومة إنتهجت السلب والجباية سياسةً لها, وكنت مسروراً من نهايتها المنطقية, لفوقيتها وتكبّرها وتعاليها في التعامل مع المواطنين وتهميشُها صوتهم لكنني. وبكل صراحة سأكون حزيناً إن كانت نهاية حكومة الرزاز مماثلة لتلك, فرغم أوجه شبه التعامل مع الملف الإقتصادي, ورغم تعنتُها في إقرار قانون الضريبة ووضعِها بند فرق المحروقات على فاتورة كهرباء الاردنيين ما زاد الطين بلّه, ورغم إرتفاع أسعار المحروقات بشكل جنوني لا يُطاق في ظل الإنخفاض الكبير عالمياً, ورغم أن لا شيء نلّحظ تحسنه…إلا أنني لست مع من يُطالب برحيله أو إسقاط حكومته بهذه السرعة, فمشكلتنا مع واقع الإقتصاد لن تُحل برحيل الحكومة, ولنا في الحكومة السابقة مثل أعلى عندما رحلت هل إرتحلت معها المشكلة؟ إذاً لا أعتقد أننا بحاجه لوجه جديد في الوقت الراهن على أقل تقدير, يُعيدنا للمشهد الأول من مسرحية التخدير ويوهمنا بوعوده ويُسمعنا خطاباً إنشائيّاً حفظناهُ عن قلب ظهر. ثم بعد ذلك نعود لنفس المربع. فإن أي رئيس وزراء قادم لن يكون أفضل ولا أسوأ من الحالي, لن يرفع الرواتب أو يُخفض الأسعار, لن يسدّ المديونية أو يُلغي قوانين مُجبرة الدولة على إقرارها, بالمُحصلة لن يكون يملك المصباح السحري حتى يستطيع حل كل مشاكلنا, لأن بعض المشاكل صارت مُتجذرة ولا يمكن إقتلاعها بسرعة وسهولة, فربما أن التأني قليلاً مع مراقبة المشهد وما ستلده الشهور القادمة على أبعد تقدير مع عدم التراخي ومواصلة المُطالبات سيكون أجدى نفعاً وأخيّر من رحيل شخص والأتيان بشخص ثم نكتشف أن التغيير مجرد شخوص والنهج ثابت؛ فما الفائدة إذاً غير مضيعة الوقت.
التصريحات الإستفزازية الأخيرة لبعض المسوؤلين خارج صنع القرار وحتى داخله قد لعبت دوراً كبيراً في توتر الأجواء, وهنا بالتأكيد يجب أن يعرف أصحاب التصريحات الغير منطقية بالأصل أن لا الظرف ولا الوقت مناسبين لظهورهم على المشهد بمثل هذا الكلام وهم الذين لم يرضى عنهم الشارع يوماً ولم يقتنع بهم, فلماذا هذا الإصطدام المُفتعل مع الجمهور الغاضب الذي عرف طريق الإحتجاج والتظاهر وأصبح يقود نفسه بنفسه دون مرجعية حزبية أو نقابية, وهنا تكمن الخطورة بحد ذاتها عندما يقود الحافلة سائق في لحظة غضب فلا تعلم ما مدى التهوّر الذي ربما يُخلّف خسائر كبيرة.
إذا كانت الحكومة الحالية ممثلة بالدكتور عمر الرزاز تريد البقاء مدّة أطول وفي أدراجها ما يُرضي الوطن والشعب تُقدمه في الفترة القادمة فعليها الآن واجب تهدئة الشارع وإعادة المُحتجين على الدوار الرابع لبيوتهم قبل إتساع رُقعة الغضب. إذاً الفرصة ما زالت مُتاحة أمامها لتُثبت حُسن نواياها, وأقصد بهذا تنازلها عن بعض قراراتها وقوانينها التي يمكن التغاضي عن إقرارها, والإسراع في مشروع العفو العام الذي ينتظره الاردنيين بفارق الصبر وأن يأخذ طابع الشمولية الممكنة لبعض القضايا, وهذا سلاح تهدئة تمتلكه الحكومة وحان وقت إستخدامه فمن شأنه أن يُحلحل عقدة الإحتقان ويعيد شيءّ من الثقة لها..إذا فعلت ذلك يمكنها ضمان رضى الاردنيين المؤقت عن صفقة التنازل هذه مع تحفظهم على واقع حياتهم المعيشية الذين ينشدون تحسينها وهنا الكرة في ملعب صانع القرار والحكومة التي تعهدت أيضاً بهذا وأطلقت مشروع النهضة وقالت بأنها ستوفّر ثلاثين فرصة عمل في العام القادم.