أ. سعيد ذياب سليم
” هيب هوب “
تجلس العائلة أمام الشاشة التي لم تعد صغيرة، تتابع أحد أهم برامج المواهب العابرة للقارات بنسخته العربية، ذلك البرنامج الذي
تحدثت عنه الشعوب بلغات مختلفة، العامل المشترك بينها هو حب الفن والجمال، وهي لغة عالمية لها أبجدية خاصة، تنظر حولك لتشاهد على
الوجوه الاهتمام والراحة والسرور، ذلك هو تأثير ما يعرض وما يثيره من أحاسيس، سواء أكان مقطوعة موسيقية، أم صوتا ملائكيا يداعب
أوتار القلب، أو رقصة إيقاعية تعبر عمّا في النفس من ثورة و انفعال ، أو لوحة تثير الدهشة، نُقَلّد فيها شعوبا أخرى، ونواحي فنية متعددة
الهويّات. ماذا يلتقط أبناؤنا من ذلك كله، وهل نستطيع المحافظة على هويتنا الفنية وتطويرها ؟
أبناؤنا: فتيان و فتيات تصدح حناجرهم بالتحية صباحا أمام العلم ، يبدؤون برنامجهم اليومي، يعيشون أحلامهم، يقاومون بها رتابة
الحياة بين جدران المدارس، يتنقلون بين قاعات الدرس وصالات الأنشطة المختلفة، الملعب والمكتبة والمسرح، ما الذي يضاف لأحلامهم
أثناء ذلك وما الذي يفقدونه منها؟ مواهب تعيش في الظل إلى أن يتعثر بها الشخص المناسب، يشعل فتيل الانطلاق في الاتجاه الصحيح.
لؤي أحد طلبة الصف الحادي عشر، يستعرض أمام زملائه مهارته في رقصة ال” هيب-هوب” وهي رقصة ولدت في الشارع من حركة
ثقافية للأمريكيين من أصول إفريقية وغيرها، كرد فعل للظلم الذي يمارس ضدهم في المجتمع، تتكون من حركات إيقاعية ينثني فيها الجسم و
ينحني بطريقة سريعة، يحاور فيها الراقص الجاذبية بين قفز وسقوط والتفاف، معبرا بذلك عما يعتلج في صدره من انفعالات و ثورة نفسية،
لا بد أن لؤي تأثر بما يشاهده من أفلام سينمائية اكتسحت العالم، و برامج المواهب التي تشجع على التقمص سواء وُجدت الموهبة أم لا.
ترى أين يمارس هوايته؟ وإذا خرج بها إلى مجتمعه المحلي هل تعد فنا من الفنون؟ وكيف ينظرون إليه؟
كان للمسرح المدرسي دور بارز في التعليم، يقدّم المعرفة و يقوّم السلوك في عرضه لشخصيتي الخير و الشر، و يغرس الذوق الفني
وتحسس ما في هذا العالم من جمال أودعه الله فيه ، ويزرع بذلك حب الحياة، لدى فئة من النشء هم أحوج الناس لصقل الشخصية وزيادة
الثقة بالنفس، أمام تيارات فكرية تستغل ترددهم لبث سمومها، كان ذلك قبل أن تُبهرنا التكنولوجيا السينمائية الحديثة، وتصنع لنا شخصيات
مبرمجة حاسوبيا أو مرسومة “Animation”.
أتذكر اجتماعاتنا بعد الانتهاء من البرنامج الدراسي اليومي، في غرفة لجنة المسرح، نوزع بيننا الأدوار ، و نقوم بتجارب الأداء مرة
تلو الأخرى حتى نصل إلى المستوى المقبول، ثم نقدم أعمالنا على خشبة المسرح وربما عرضناها في مدارس أخرى، مشاهد من مسرحيات
شكسبير، وعدد آخر من مسرح الطفل، تعرّفنا على مسرح الدمى و قمنا بأنشطة في الدراما الإبداعية، كان ذلك في ثمانينات القرن الماضي و
بجهود ذاتية من معلمنا ، ترى أين أصبح المسرح المدرسي؟ أين هو دور المعلم في صقل مواهب الطلبة؟ والمسرح من الفنون الشاملة نثرا و
شعرا و رقصا وموسيقى و فنا تشكيليا.
تراه مندفعا ” كجلمود صخر حطه السيل من عل” بين أروقة المدرسة، ممشوق القامة قوي البنية طيب القلب، يجمع حوله الطلبة،
لجنة الإذاعة المدرسية، نادي القراءة، ومجموعة من المواهب بين عزف و إلقاء وخطابة، هو المعلم الأخ و الأب و الصديق، مثال المعلم
الإيجابي، الذي لا يترك شيئا للصدف، يعيش حلمه الخاص، ربما يحلم وطلابه بالعالمية، لا تسخر من ذلك وقد طرق الفيلم الأردني “ذيب”
باب السينما العالمية بل دخل إلى عقر دارها .
تتبدل اهتماماتهم أثناء نموهم والانتقال من المدرسة إلى الجامعة، وتنضج مواهبهم و أذواقهم الفنية وتتكشف لهم أسرار الجمال.
يحملون استوديوهاتهم في هواتفهم الذكية، يصورون ما يحلوا لهم من مقطوعات فيديو، يستخدمون برامج خاصة لعمليات المونتاج، و دمج
الصوت وإضافة النصوص و الصور، يصنعون أفلاما قصيرة، ويسارعون بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، مشكلة بذلك حلقة الوصل
بين المسرح و السينما لا يمكن تجاهلها ، بل يجب دراستها و تشجيعها، فإن لم نستطع مقاومة التيار لماذا لا نسير معه ؟ ومن خلال
اهتماماتهم بفنهم الخاص نزرع بذور الصلاح.
نجلس على شاطئ هذا البحر الإعلامي المتلاطم، مستمتعين بما يصلنا من موجه، ننقسم فرقا نشجع أحدهم دون الآخر، يقلقنا ما نراه
من أحلام عند فتياننا، تغازلهم بالوصول دون جهد أو عمل حقيقي، مع ندرة المؤسسات التي تهتم بالمواهب الحقيقية، وغياب واضح لدور
المدرسة في هذا كله.
ترى هل من شريك ينضم لي؛ لمحاولة الفوز في رقصة “الهيب هوب” في الموسم القادم، فالأحلام حق للجميع