ماجد عبد العزيز غانم
هل هي محاكم شرعية فعلا
مشاهد عايشتها شخصيا في إحدى المحاكم التي تسمى بــ المحاكم “الشرعية” جعلتني أشك بأن الشريعة الإسلامية هو مصدر الحكم والقانون فيها ، فحسب فهمي المتواضع افترض أن قرارات هذه المحاكم مستمدة من الشريعة الإسلامية أما غير ذلك فينفي عنها صفة الشرعية .
لنأتي للمشاهد بالترتيب : –
المشهد الأول هو مشهد الطلاق : حيث يقوم القاضي بإقرار الطلاق البائن بينونة كبرى بين الزوجين بناء على إصرار الزوجة بحجة العسر المادي للزوج وعدم قدرته على الإنفاق على بيت الزوجية ثم تقوم بإبراء الزوج من كافة حقوقها الشرعية ، وتتعهد وتتكفل الزوجة أيضا مقابل الحصول على حضانة الأبناء بكافة نفقاتهم طيلة مدة الحضانة من مسكن ومأكل وتعليم وغيرها من نفقات ، ويتم توثيق هذه الأمور كلها في وثيقة الطلاق .
المشهد الثاني هو مشهد الزواج : فبعد الطلاق يقوم الزوج ببيع جهد وتعب ربع قرن من الزمان مضى ، ألا وهو بيته وبأبخس الأثمان وذلك كي يبدأ حياة جديدة ومشوار جديد ، وفي بادرة حسن نية منه يبدأ هذا المشوار تجاه طليقته وأبنائه وذلك بإعطاء طليقته نصف ثمن البيت والمسجل باسمه وذلك تقديرا منه لمساندتها له ماديا طيلة فترة زواجهما التي امتدت على مدار ربع قرن وخوفا من يوم حساب يقف فيه بين يدي الله ، ثم يكمل بعد ذلك بسداد الديون التي تراكمت عليه في السنوات الأخيرة ، ورغم ذلك يؤجل بعض ديون الأقارب لفترة قادمة لأن ما تبقى معه بالكاد يكفي للبداية من جديد والعودة للاستقرار لذلك وبناء على وثيقة الطلاق السابقة وما وثق فيها من نصوص يُقدِر الزوج أنه بات يستطيع الزواج بأخرى ويقوم بهذا فعلا وينفق مبلغا ليس باليسير عليه من مهر وأثاث بيت وما إلى ذلك من متطلبات الزواج وبعد أن كان له بيتا أصبح مستأجرا لشقة صغيرة لكن لا بأس ما دام قادراً على الإنفاق على بيته وزوجته من راتبه المتواضع بالإضافة لاقتنائه سيارة لقضاء حوائجه .
المشهد الثالث : وهو العودة للمحكمة الشرعية من جديد : فما أن علمت طليقته بأنه تزوج حتى قامت برفع عدة دعاوى عليه تطالبه فيها بنفقة الأبناء من مأكل ومشرب وملبس وتعليم ، علما بأنها تكفلت وتعهدت بها عند إقرار الطلاق ، وتشاء الأقدار أن يكون القاضي الذي أقر ووثق الطلاق هو نفس القاضي الذي ينظر في هذه الدعاوى ، وهذا ما جعل الزوج يطمئن للقاضي بحكم انه على اطلاع سابق بالقضية ، ولكن ومنذ أول جلسة لديه يُصدَم الزوج بأن ثلاثة من أبنائه هم فوق سن الحضانة حتى منذ قبل إقرار الطلاق وأنه مكلف بنفقاتهم لتبدأ تساؤلاته للقاضي الذي لا يكترث لأمره وهو الذي كان من واجبه الشرعي توضيح هذا الأمر للزوج أثناء إقرار وتوثيق الطلاق خاصة وان الزوج كان لا يملك مالا ليوكل به محاميا عند الطلاق ، وأيضا لثقته بأنه أمام قاض شرعي عادل وأن وثيقة الطلاق واضحة ولا يختلف اثنان على تفسير ما جاء بها من بنود ، هذه البنود التي لولاها لما تجرأ هذا الزوج على الزواج من جديد لسبب بسيط وهو أن لديه عقلا ما زال يدرك أنه لن يستطيع من راتبه المتواضع الإنفاق على أبنائه بالإضافة لفتح بيت جديد ونفقات زوجة وإيجار بيت وما إلى ذلك من مصاريف ونفقات فهو بالكاد يستطيع الإنفاق على نفسه ، ثم ما ذنب الزوجة الجديدة عندما تتفاجىء بأن كل ما حدثها به زوجها كان كذبا وهراء من ناحية قدرته على فتح بيت للزوجية وقدرته على الإنفاق عليها ، ولكن هذا ما كان ولم يجد الزوج عنوانا لما حصل معه إلا أنه عملية احتيال للطلاق من قبل طليقته ولا يُبَرأ القاضي من هذا الأمر فهو على علم واطلاع بكل ما حصل ، ولديه علم بأن طليقة هذا الزوج وبناء على نصوص موجودة في قوانين هذه المحاكم المسماة شرعية قادرة أن تجعل وثيقة الطلاق وكأنها لم تكن .
المشهد الرابع : وهو التعليم الجامعي للأبناء حيث يقوم الأبناء وبقرار من والدتهم برفع دعوى نفقة تعليم جامعي على هذا الوالد الذي أصبح لا يجد قوت يومه ، ليصدم هذا الوالد بأن نفقة تعليمهم الجامعي ملزم بها ! علما بأنه وفي مجتمعنا الأردني المسلم جرت العادة دوما إن لم يستطع الأب تدريس ابنه في الجامعة فلا حرج عليه لحين مقدرته على ذلك ، وقد يقوم ابنه بالعمل لمساعدته على تدريسه ولو عملا جزئيا على الأقل ، أما عدا ذلك فمن أين سيأتي الوالد بالمال هل يلجأ لوسائل غير مشروعة لتوفير مال الدراسة الجامعية لأبنائه ! أم ماذا !
للعلم ومن خلال استطلاعي لآراء شريحة كبيرة من أبناء هذا المجتمع الأردني أبدى الجميع استهجانهم من إجبار الوالد على تدريس ابنه في الجامعة وهو غير قادر ، بل أنهم قالوا أن ديننا لا يقر هذا الأمر ، لكنني طمأنتهم بأن قوانين المحاكم الشرعية في الأردن تقر هذا الأمر ، وهنا لي رأي شخصي أقوله وليسامحني الله إن أخطأت ( والله لو كان رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم بيننا في هذا العصر لما أقر هذا الأمر الذي يجبر الأب على تعليم ابنه في الجامعة وهو أي الوالد لا يجد إيجار بيته ولا حتى قوت يومه ، ووالله لو كان هذا القاضي نفسه غير قادر على تعليم أبنائه في الجامعة لما أقر هذا الحكم وهذا الظلم على نفسه .
هناك الكثير من المشاهد التي لا يمكن لأحد ان يصدق بأنها تحدث في محاكمنا “الشرعية” سأذكر بعضها بدون تفصيل كون المقام سيطول إن فصلتها ومنها أنه عندما كان الوالد يقول لا استطيع بعد كل ما حصل معي أن انفق على أبنائي وعلى بيتي وزوجتي الجديدة ، كان القاضي يجيبه اعمل عملا إضافيا بعد وظيفتك الصباحية لتستطيع ، فيرد الوالد لا استطيع فانا أعاني من انزلاقات غضروفية تحد من قدرتي على ذلك ويأتي حينها الرد القاطع للقاضي ( لماذا أنجبتهم إذا ) متناسيا هذا القاضي أننا في مجتمع يتكافل فيه الزوجان للإنفاق على أبنائهم .
مشهد لن أنساه أيضا عندما يقول الوالد للقاضي لا يوجد لدي مصدر دخل غير وظيفتي المتواضعة ، فيكون رد القاضي لا بل يوجد لديك فأنت تملك سيارة خاصة وهذه مصدر دخل تستطيع بيعها لتعلم وتنفق على أبنائك ، وليعزز ويدعم القاضي رأيه يطرح على الأب مثالا هو قمة في التعسف والظلم عندما يقول له حتى السجين نحن نفرض عليه نفقة وهو داخل سجنه ، هذا المثال بحد ذاته لا أدري هل من عاقل يقره .
مشاهد عديدة في هذه المحكمة عايشتها ولم أصدق أنني أراها في محاكم تُدعي بالمحاكم الشرعية وهنا أقول لا بد من إعادة النظر في هذه القوانين التي يحكم بموجبها في المحاكم الشرعية والتي اجزم أن بعضها إن لم يكن معظمها دخيل على شريعتنا السمحة التي لا يظلم في ظلها احد حتى لو كان من غير المسلمين .
بقي لدي همسة أخيرة أهمسها في أذن هذا القاضي ( أتمنى على الله أن لا يشاء القدر مرة أخرى وتكون أنت من يوثق طلاق الزوجة الثانية لهذا الزوج لأنه إن حصل هذا الطلاق لا قدر الله فستكون أنت السبب في طلاقها ) وعندها لن يسامحك هذا الزوج لا في الدنيا ولا في الآخرة أمام الله يوم لا تنفعك هذه القوانين التي دمرت الكثير من الأسر في مجتمعنا .