د.دانية جهاد مهيدات
كخريجة حديثة من كلية طب الأسنان هنا في الأردن، وجدت نفسي أفكر في أمر متزايد الأهمية: تراجع الرعاية المجتمعية بين مقدمي الرعاية الصحية، وخاصة أطباء الأسنان. هل ضاعت منا روح العطاء؟
لطالما كانت مهنة طب الأسنان، كغيرها من المهن الصحية، تحمل مسؤولية تتجاوز أسوار العيادة. ولكن يبدو أننا بدأنا نفقد هذا الجانب المهم. في الماضي، كان من المعتاد أن نرى أطباء الأسنان المحليين يقدمون وقتهم لخدمة المجتمع أو يوفرون العلاج المجاني لمن هم بحاجة. لكن للأسف، أصبح هذا أقل شيوعًا. أين العيادات التي كانت تخصص أيامًا للعلاج المجاني؟ وأين المهنيون الذين كانوا يرون في العطاء واجبًا تجاه المجتمع؟
في بلدنا الأردن، الحاجة إلى رعاية طب الأسنان الميسورة تزداد بشكل ملحوظ. الكثير من العائلات لا تستطيع تحمل تكاليف الفحوصات الدورية، ناهيك عن العلاجات الطارئة. التطوع بوقتنا وخبراتنا ليس فقط عملاً نبيلاً، بل هو ضرورة.
لدينا كأطباء أسنان قدرة فريدة على الوقاية من أمراض الفم وعلاجها، مما يؤثر بشكل مباشر على صحة وسعادة الناس. إهمال هذه المسؤولية يعني السماح باتساع الفجوة – حيث يحافظ الأغنياء على صحتهم، بينما تتدهور صحة الفقراء.
العيادات الخاصة هنا لها دور كبير يمكن أن تلعبه. تخيلوا لو أن المزيد من العيادات فتحت أبوابها لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج، ولو ليوم واحد في الشهر. هذا لا يعني تقديم الخدمات المجانية بلا حدود، بل تقديم عدد محدد من العلاجات المجانية في حدود إمكانيات العيادة. سواء كانت حشوات، أو قلعًا للأسنان، أو حتى إجراءات معقدة، فإن هذه الجهود بإمكانها أن تغير حياة الكثيرين ممن لا يجدون الرعاية. تقديم العلاج الفعلي، وليس فقط الوقائي، يظهر التزامًا حقيقيًا تجاه المجتمع، ويتيح لأطباء الأسنان فرصة استخدام مهاراتهم في المكان الذي يحتاج إليها أكثر.
كما أن الجامعات في الأردن تقدم خدمات طب الأسنان المجانية كجزء من التدريب العملي للطلاب. ولكن هناك مجال لتوسيع هذه الجهود لتشمل حملات منظمة تستهدف المجتمعات المحرومة، مع التركيز على علاج الفئات التي غالبًا ما تحرم من الرعاية الصحية. على الأساتذة والعمداء وخريجي الجامعات أن يدعموا الطلاب الذين يرغبون في تنظيم مثل هذه الفعاليات، وتخصيص أيام يقدم فيها الطلاب، بإشراف أساتذتهم، علاجات حقيقية لمن هم في أمس الحاجة إليها. هذا ليس فقط لخدمة المجتمع، بل أيضًا لغرس روح العطاء في نفوس أطباء الأسنان المستقبليين.
الحل بسيط حقًا. يمكننا كأطباء أسنان أن نتطوع بأوقاتنا للمشاركة في برامج توعوية، وتقديم الرعاية الوقائية والترميمية في المناطق المحرومة. يمكن للعيادات تنظيم أيام علاج مجانية، ويمكن للجامعات تعزيز هذه الجهود. بذلك، نضمن أن الصحة ليست امتيازًا للأثرياء، بل حقًا للجميع.
إذاً، لماذا توقفنا عن العطاء؟ هل أصبحنا، كمهنيين، مرتاحين جدًا في نجاحاتنا لدرجة أننا نسينا المجتمعات التي تحتاج إلينا؟ والأهم من ذلك، متى سنعود إلى فن العطاء؟”