أ. سعيد ذياب سليم
في هجعة الليل يوقظني صديقي القلق ، يبحث عن مخاوفي ، يعرضها واحدة تلو أخرى ، يجادلني ، يشكك و يفترض و يضع الحواجز على مداخل مدينتي، أقف حائرا عندها. الأسعار في سباقها مع الحوافز والزيادات السنوية للراتب ، التقاعد الذي ينتظرني في نهاية النفق ، ليضعني في جزيرة
معزولة تحرسها كائنات مخيفات تمنع مغادرتها، الوسام الذي تهبه الوظيفة في نهاية الخدمة، حلاوة الدم و ارتفاع ضغطه، شبكات توسيع الأوردة لتمرير الأزمات ، انزلاق الفقرات و تصلب المفاصل. وذلك الطفل الواقف عند أحد الحواجز في عينيه خيبة و رجاء .
كنا أطفالا نحلم بالسفر في ثمانين يوما مع جول فيرن ، أو في مئتين مع أنيس منصور ، حلمنا بركوب الركشة و الفيلة في الهند ، القطار و السفينة و الطائرة في مغامرة لا تنتهي حول العالم. كبرنا و كبرت مسؤولياتنا و بقي الطفل فينا ينتظر تحقق أمانيه ، لكن الحياة شاغلتنا عن ذلك بدورات من العناء ما تنتهي إحداها حتى تبدأ أخرى، ترى هل يسعفنا الوقت في تحقيق بعض الأماني أم أننا سنحملها معنا إلى حياة أخرى. أمواج متتالية تتكسر على شاطئ الحياة هم الموظفون في الأرض ، يساقون إلى تلك الجزيرة الملعونة خارج الحلم برفقة حفنة دواء وكثير من الآه و بعض شفقة ، عكاز و خطوات تائه بين رصيفين قبيل الغروب ، والأمس المشرق مضى بين راتب منتظر و قسط مستحق و حلم تائه . يفترض في سن التقاعد أن يكون بداية لحياة أخرى ، فيها المغامرة و الرحلة التي أُجّلت مرارا خلال الحياة العملية و التفرغ لممارسة هواية أو رغبة منعنا منها روتين العمل و ظروفه . فقد انتظر فلورينتينو واحدا و خمسين عاما حتى التقى بحب حياته في السبعين من عمريهما في رائعة ماركيز ” الحب في زمن الكوليرا ” لينقلب خريف عمريهما إلى ربيع دائم فوق نهر الحياة. قد تكون رواية لكن لا تخلو من عبرة.
بعد تلك الحياة وصخبها يوم كنا منتجين ،ونفاذ الأشياء التي كان بالإمكان القيام بها، ينهكنا الملل من رتابة سن التقاعد وتأفف العائلة من ذلك العجوز الذي خسر صراعه مع البحر ، يزيدنا كآبة و إرهاقا جسديا، لا يبقى لنا رحمة إلا العمل من جديد، فليت أن يمتد بنا إلى السبعين أو أن يكون عملا جزئيا كي لا تنقطع بنا السبل مع الحياة التي نعشق، ونجد في نهاية النفق المظلم بداية مختلفة !
1 تعليق
محمود اسليم
سيدي، الاحلام هي السبب، اياك ثم اياك ان تعود لها أو تعيدها اليك، البس قفازين وحمي ركبتيك جيدا وخذ حذاءا رياضيا وانتصب وأبدأ الركض الان.
لا تتوقف لا تأخذك سنه من نوم ولا ترمش ولا تجلس لا تتباطأ ابقى على سرعتك القصوى إلى أن تتأكد أن احلامك اضاعتك عندها توقف وخذ نفسا عميقا والق بنفسك في احضان الفراغ وستجدك هناك حيث اللاشعور واللااعباء واللاامراض واللااحياء …..واللاندم