أ. سعيد ذياب سليم
جميل أن يمارس الطالب حرية الاختيار، و يقف وجها لوجه أمام مسؤولياته في رسم معالم مستقبله المهني، ممهدا لذلك باختياره للمواد التعليمية التي تؤهله للتخصص الجامعي، ويضعنا أمام مسؤولياتنا، لبناء عقلية ذلك الطالب و تنشئته لتحمل تلك المسؤولية.
تنبثق فلسفة التربية في المملكة من الدستور الأردني –الذي يكفل الحق في التعليم-، والحضارة العربية الإسلامية ومبادئ الثورة العربية الكبرى والتجربة الوطنية الأردنية، ينقسم البرنامج التعليمي، إلى مرحلة ما قبل المدرسة- سنتان، ثم المرحلة الأساسية الإلزامية-عشر سنوات، و المرحلة الثانوية الأكاديمية و المهنية مدتها سنتان.
لا شك أن الحياة في تغير مستمر، ينعكس علينا تطورها ، و أن زماننا الذي نعيش تميز بسرعة إيقاعاته، وأن أبوابا فتحت على ثقافات أخرى، وأن ذلك غيّر فكرتنا عن العالم من حولنا، و أصبح للتعليم أهدافا أخرى، لا تقف عند حدود الوظيفة أو المهنة المستقبلية، ولكن أصبح أسلوب حياة، و من الخطأ أن نحكم على العملية التعليمية في وطننا و العالم من خلال توصيف خطء أو صواب ولكن من خلال تفاعلها مع الانسان و احترامه و صياغته على صورة معادلة ثقافية متزنة ، يكون الحب و التصالح مع الذات عناصر من عناصرها.
ارتفعت أعداد الطلبة في المراحل المختلف، بين الذكور والإناث، وانخفضت معدلات الأمية –بل قاربت على الانتهاء- واقتربت نسبة المشتركين في البحث و الدراسة الجامعية من المعدلات العالمية-مقارنة بالمليون، وقد استخدمت تقنية المعلومات للانتقال من الدراسة التقليدية إلى الحديثة التي تستخدم الحاسوب ، يعود الفضل في ذلك إلى البرامج و السياسات التعليمية التي تنفذها وزارة التربية و التعليم و وزارة التعليم العالي في إطار التطوير التربوي المتجدد. لكن أين نحن الآن؟
يجري الحديث عن نظام للتوجيهي الجديد بفرعيه العلمي و الأدبي، و الذي يتمثل بوجود مواد إجبارية –خمسة مواد؛ تدور حولها البرامج التعليمية المختلفة، و تحافظ على سمات المجتمع، ببعديه التاريخي و المعاصر. و أخرى اختيارية-ثلاث مواد ؛ تساهم في تأسيس الطالب، ووضعه على أهبة الاستعداد لبدء حياته الجامعية في المسار الذي يرغب. يحتسب المعدل من المواد الإجبارية، و أعلى علامتين من بين المواد الاختيارية.
إذا أراد طالب الفرع العلمي –مثلا- التخصص في مجال التحاليل الطبية أو الصيدلانية، لا بد له أن يختار موادا كالكيمياء و الأحياء ، من خلالها يتعرف على اللغة العلمية والحسابات المستخدمة في هذا الميدان، لإجراء التفاعلات الكيميائية في المختبر.
تفيدة دراسة الأحياء، في معرفة العمليات الحيوية ، و كيمياء الجسم الحي من مواد عضوية و غير عضوية التي تتكون منها الكائنات الحية – وحيدة الخلية و عديدة الخلايا-التي تشاركنا البيئة و طبيعة العلاقات بينها. سيحتاج هذه الأساسيات في تخصصات كالصناعة الدوائية و الغذائية و الأبحاث البيئية المختلفة.
و طالب الفرع الأدبي إن فكّر في دراسة اللغات الأجنبية و آدابها، سيجد أنه من المهم اختياره لمادة اللغة العربية –تخصص لأهميتها في فهم النص و القواعد و النحو، بالإضافة لدراسته للفرنسية ،والإنجليزية –الإجبارية، سيفتح أمامه الأبواب لدراسة اللغات المنحدرة من جذور سامية و جرمانية و لاتينية ، وتساعده في المقارنة بينها.
وإن كان ممن يتطلعون للعمل في مجال السياسة أو القانون أو الاقتصاد ، سيجد أن هناك مواد أساسية لا بد من اختياره لها من بين التاريخ و الجغرافيا و العلوم المالية.
هذه الخطة تلمّح إلى خطوط عريضة، و خطط موازية و تكميلية، يمكن الأخذ بها، و العمل على إيجادها، تبدأ بالسنوات التي تسبق التوجيهي –الصف الحادي عشر مثلا- لبدء اختياره من هناك، فيقسم المواد الهامة للتخصص في الفرع العلمي و الأدبي بين سنتي الدراسة الثانوية، ويفتح المجال أمام الجامعات للمساهمة في طرح مواد استدراكية، ومتطلبات للتخصص في مختلف الكليات، والأهم من ذلك ، أن هذا كله يصنع الإنسان الإيجابي المحب للحياة، و يمد له الوطن يده ليضعه في المكان المناسب، و يزيل عن كاهل رب الأسرة مصاريف كثيرة، ينفقها على الدروس الخصوصية.
استقبلت هذه الخطة المقترحة بنوع من الريبة و الحذر و التندر في بعض الأوساط التعليمية ، وبنوع من الراحة والحفاوة من قبل الطالب و الأسرة، فلم ذلك ؟
الناظر في البرامج التعليمية المتبعة شرقا و غربا ، يجد برامج مثل IGCSE نظام التعليم الثانوي العالمي العام ، و نظام SAT ، ونظام OBE التي تستخدمها كثير من الدول في العالم، هذه الأنظمة التعليمية، تعد الطالب للحياة الجامعية، و تقسم موادها على امتداد السنوات الدراسية العليا –بين مواد علمية و إنسانية ، ولا تستثني اللغة الأم ، يختار منها الطالب ما يناسب مهاراته العلمية و خططه المستقبلية.
و من ثم تعرض عليه الجامعات برامجها التنافسية و التي تطلب استيفاء برنامج دون الآخر، وربما تكفل له دراسة مواد استدراكية، يطلبها تخصص معين، يعيش الطالب المشترك في أحد هذه البرامج بسعادة وراحة بال لا نجدها عند طلابنا في التعليم العام، أما آن لنا أن ننسجم مع الحياة ؟ بدون أن نصنع عقدا أمام أبنائنا مثلهم مثل أقرانهم في دول كثيرة.
على عتبات البدء بتنفيذ هذه الخطة الجديدة، ربما ينهمك القائمون عليها، لإنجاز ما تحتاجه من مناهج و كتب جديدة، و كوادر تعليمية، وصياغة برنامج حافل بالأنشطة الثقافية والفنية و الرياضية، لكن هل عُقدت اتفاقيات بين وزارة التعليم العالي و الجامعات المحلية و العالمية لتسويق الشكل الجديد للتوجيهي؟ حتى لا يفاجئنا ردة فعل هذه الجامعات ، ويجد طالبنا الحامل للشهادة الجديدة مقعد له فيها.
عند التفكير في البرنامج المقترح ، و مطالعة المواد الاختيارية، يخشى البعض إهمال الطالب دراستها، لكنه خلال الإحدى عشرة سنة التي تسبق التوجيهي، يكون قد درسها في صفوف عدة، و أن دراسته لها كونت عنده أساسا لابأس به، و أن برامج الدراسة الجامعية تتضمن ما يحتاج له من مواد علمية و انسانية، بين مواد أساسية للتخصص و اختيارية ، و حرة.
إن هذا الحوار المفتوح بين العناصر التعليمية المختلفة، يكفل لنا أن نخرج بخطة مطورة ، تحفظ للأردن مكانته بين دول المنطقة العربية و التي كان نموذجا لها، فتعالوا نستمع بهدوء للنقد البناء الإيجابي، و نراجع المسار مرة و مرة فربما نكتشف ما لم نره بعد. أ.سعيد ذياب سليم