د.نبيل الشريف
من الواضح أننا نتعرض لحرب إعلامية شعواء مغرضة هدفها إثارة الفتنة وإحداث البلبلة في أوساط الرأي العام.
إنها حرب واضحة مكتملة الأركان وهي تشن علينا من الخارج من قبل جهات معادية معروفة، فلايمكن أن يكون نشر الإشاعات الكاذبة التي تم تداولها منذ أيام في وقت واحد ومن عدة مصادر خارجية، بما فيها وسائل إعلام إسرائيلية، وليد الصدفة.
لايحتاج الأمر إلى عبقرية خارقة كي يدرك المرء أن ثمة عقلا مركزيا يدير هذه الحملة وينسق بين المنابر الإعلامية المعادية لنشرها في وقت متزامن وبمحتويات متشابهة لإحداث أكبر قدر ممكن من التشويش ولإعطاء المعلومات الكاذبة والمضللة أفضل فرصة ممكنة من القبول والإنتشار حتى ولو لفترة قصيرة من الوقت.
ولكن هذه الحملة الإعلامية المعادية تحطمت على صخرة شفافية الديوان الملكي من خلال تعامله السريع والواضح مع تلك الإشاعات والأكاذيب، وعن طريق البيان التوضيحي الذي أصدره، وقد نجح بذلك في وأد الفتنة في مهدها. ولكن حرب الإعلام التي تشن علينا لن تتوقف ولن يكل القائمون عليها من استمرار المحاولات مستقبلا بكل الوسائل.
إن ماتسمى بحروب الجيل الرابع التي يواجهها العالم الآن تقوم على استخدام القدرات العقلية، أو ما يعرف بـالقوة الذكية (حرب الإعلام والإشاعات) لإختراق وإضعاف المجتمعات وإحداث البلبلة فيها، فجدار برلين لم تسقطه الدبابات والمدفعية بل أسقطته الحرب المعنوية وتأليب الناس وحشدهم للقيام بعمل ما في اتجاه محدد.
إننا إذا أمام واقع أعلامي جديد لاتنفع معه الأساليب التقليدية القديمة ولا الحركة البطيئة المعتادة، وعندما يفقد الناس الثقة في إعلامهم الوطني فإنهم يصبحون أدوات سهلة في أيدي القائمين على الحملات الإعلامية المضادة الذين يوجهون الراي العام لخدمة أغراضهم وتحقيق مآربهم.
ولعل أخطر ما نواجهه حاليا هو مايمكن تسميتها بظاهرة « قابلية التصديق « لدى بعض المواطنين للإشاعات والأضاليل. وعلينا أن نعترف أن البعض يقوم فورا بتبني المعلومات المكذوبة والمخطوءة ويعمد إلى تداولها ونشرها متقمصا دور العارف المطلع ببواطن الأمور، مع أنه – في حقيقة الأمر- ليس أكثر من ضحية لإعلام مغرض ومعاد.
ولكن ماهو السبيل للتصدي للإعلام المضاد؟ إن الخطوة الأولى والأهم (وربما الأصعب) تكمن في ضرورة العمل على تعزيز الثقة في وسائل الإعلام الوطنية بحيث تكون هي مصدر المعلومة الموثوقة لدى المواطنين، فحتى لو إنتشرت شائعات وأكاذيب حول موضوع ما، فإن مجرد نشر الحقائق في وسائل الإعلام الوطنية كفيل بحسم القضية وقبول ماجاء فيها بإعتباره الرواية القاطعة المانعة التي تنهي الجدل وتقطع الشك باليقين.
ويجب أن يصاحب ذلك جهد مكثف لتعرية وسائل الإعلام المعادية المضادة على حقيقتها بحيث يتم تجريدها من إدعاءاتها الكاذبة بالموضوعية والحياد. ولايحتاج الأمر إلى جهد خارق لندرك أن جميع وسائل الكذب والتضليل التي استهدفتنا الأسبوع الماضي غارقة حتى أذنيها في الأموال القذرة التي تدفع لها، وأن إرادتها مرتهنة وهي مجرد أبواق مستاجرة للتضليل والكذب.
ولكن البعض لايعرفون هذه الحقائق ويتعاملون مع هذه المنابر والقائمين عليها من المرتزقة والأشرار على أساس أن الباطل لايأتيهم من بين أيديهم ولامن خلفهم.
إننا إذن نحن أمام معضلة مزدوجة الأبعاد وهي تتمثل في ثقة متدنية في بعض وسائل الإعلام الوطنية من جهة، وتصديق يصل إلى حد الإنبهار لكل ماتبثه وسائل إعلام شريرة معادية من أكاذيب من جهة أخرى.
لقد حقق الأردن نجاحات كبيرة على صعيد الإصلاح السياسي والإصلاح الإقتصادي في السنوات الماضية، ورغم أن كثيرين منا يفضلون أن يروا النصف الفارغ من الكأس دائما، إلا أن الحقيقة هي أننا قطعنا أشواطا كبيرة في مجالات عديدة.
ولعل أحداث الأسبوع الماضي تثبت للجميع أنه حان وقت الإصلاح في المجال الإعلامي أيضا، فقد بدا واضحا من خلال أحداث الأسبوع الماضي، أنه يشكل ثغرة يمكن أن ينفد من خلالها الكثير من الخطر. وهذه مسؤولية وطنية وليست حكومية فقط وتوجه ينبغي أن يكون عاما وتشترك فيها كل الجهات صاحبة العلاقة بالشأن الإعلامي، فمن الصحيح أن مصداقية وسائل الإعلام تتحقق بإجراءات يجب أن تتخذها الجهات الرسمية، ولكنه صحيح أيضا أن الإلتزام بالمعايير المهنية والضوابط الأخلاقية هو الذي يرفع من ثقة الناس في وسائل الإعلام.
قد يكون المسار طويلا ومعقدا على صعيد تطوير واقعنا الإعلامي، وهي فعلا رحلة الألف ميل.. ولكن علينا أن نبدأ بإتخاذ الخطوة الأولى في هذا الإتجاه لإغلاق هذه الثغرة الخطيرة أو–على الأقل- للحد من أثرها السلبي.